لقد ذكر القرآن الكريم لصون الحياة من الإفناء البشري آيات كثيرة، منها ما نشير إليه في سبع نقاط: – حرمة قتل النفس من غير مبرر شرعه الله الخالق فقط. قال الله تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" "الأنعام: 151" . تأتي وصية النهي في تحريم القتل بعد أربع وصايا ذكرتها الآيات السابقة عليها هنا: النهي عن الشرك بالله، الإحسان إلى الوالدين وحرمة ايذائهم واهمال حقوقهم، حرمة اهمال حقوق الأولاد ومنعهم من الولادة خوفا من الفقر وأزمة الرزق، حرمة الفواحش الخفية منها والظاهرة. ولا يبعد أن تكون حرمة قتل النفس المحترمة مظهرا من مظاهر الشرك بالله تعالى، لأن القاتل يتجرأ على الله بانتزاع الروح من ضحيته خلافا لإرادة الله وتشريعاته، وبعبارة أخرى فقد وضع القاتل نفسه في موضع الإله من غير حق، لأن الذي يحق له انتزاع روح هو الله ومن يأذن له الله. ولذلك حين تجب في الشريعة الإسلامية تصفية القاتل أو المفسد في الأرض جسديا فإنها لوجوب اجتثاث الشرك ومظاهره في الحياة كيلا تتكرر الجريمة الشركية. بذلك يفتح الله العقل الإنساني على حقائق الحياة. وهذه وصية أوصانا بها الله الحق. – حرمة الانتحار. قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا" "النساء: 29-30". في الآية تصريح بأن الإنسان كائن محترم وأنه يحترم كل شيء له صلة به، مثل ماله وعرضه، فلا يجوز أكل مال أحد بالباطل والظلم، والقرآن في هذا الخطاب يبرم الحقوق المالية والوجودية للجميع على الجميع. والإنسان الذي يضعف أمام التحديات ويرهق نفسه حتى يقرر إنهاء حياته ظنا منه في الراحة يكون على خطأ فاضح، فلو أنه آمن برحمة الله الواسعة لتجلت له نفحاتها في اليسر بعد العسر، فلا يعتدي على نفسه بالإنتحار ولا يظلمها يمنعها من الإستمرار، فهو إن ارتكب ذلك فقد أوجب على نفسه الاقتناع عن الرحمة نزول عذاب النار عليه. وقد تدخل في حرمة الانتحار المغامرات الطائشة التي يقوم بها الشباب في سياقة السيارة وركوب الدراجات النارية المسرعة والإلقاء بأنفسهم من الشواهق أو الألعاب الرياضية الخطيرة ما يعرضهم غالبا إلى عاهات بدنية تصل بعضها إلى الموت. – حرمة الإجهاض بالجنين وخصوصا بعد ولوج الروح فيه كما ذهب إليه إجماع الفقهاء "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا" "الإسراء: 31" وقال "بأي ذنب قتلت، وإذا الصحف نشرت" "التكوير: 8-9". كان في الجاهلية بعض الأعراب يقتلون أولادهم خشية الفقر والفاقة، فطمأنهم الله تعالى بأن الله يرزقهم وآباءهم، لأن قتلهم يحرمهم من نعمة الولد ويحرم الأولاد من نعمة الحياة، وهذه تكشف في أولئك الناس عن ضعف ثقتهم بالله والعجز عن التفكير والحركة الاقتصادية. وتجاوزوا حدهم بكل وحشية حينما كانوا يدفنون الأنثى وهي تنبض بالحياة لا لشيء إلا لأنهم يرون فيها العار وفي الذكور الفخر والتباهي. وجاءت الحضارة الغربية المادية بذات الفكرية الجاهلية القاتلة ولكن بأسلوب آخر ومبررات ينساق لها الذين لا يؤمنون بالله تعالى حق الإيمان. – القتل وإزهاق الروح الإنسانية وهو تارة يكون عن عمد وأخرى يكون عن خطأ. وفي الثانية قال تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما" "النساء: 92". لقد شرع الإسلام أحكاما هنا للتأكيد على القيمة الإنسانية كما سيأتي الشرح. وأما في الحالة الأولى أي إذا كان القتل عن عمد فقد قال فيها أيضا: : "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" "النساء: 93". جاء في المجلد الثاني من تفسير "من هدى القرآن – صفحة 149 تأليف المرجع الديني السيد المدرسي": "لا يحق للمؤمن أن يعتدي على نفس مؤمنة إلا عن طريق الخطأ، كأن يريد إصابة طير فأصاب مؤمنا فأرداه قتيلا. إن هذه الصورة الوحيدة التي من الممكن أن يقتل فيها مؤمن مؤمنا، أما سائر التبريرات التي كان الإنسان الجاهلي يبرر بها اعتداءه على الناس، فإنها مردودة على صاحبها، وحتى في حال الخطأ وضع الإسلام على القاتل كفارة فيها، على رغم أن الخطأ هو من مسقطات التكليف التي رفع القلم عنها كما جاء في حديث النبي "ص" الشهير، ذلك لكي يتحذر الإنسان كثيرا في أعماله حتى لا يصيب أحدا من المؤمنين بسوء، فمثلا لا يصطاد الطير في منطقة يمكن أن يصيب منها بدل الطير رجلا مؤمنا خطأ، ولا يصف دواء بطريقة عجولة فيموت بدوائه مؤمن وهكذا، وتكون الكفارة المفروضة على قتل الخطأ سببا لمزيد من التورع، والاحتياط في الدماء، ومراعاة شروط السلامة فيما يرتبط بحياة المؤمنين. ويبقى السؤال: ما هي كفارة قتل الخطأ؟ يجيب القرآن الكريم: إنها على نوعين: الأول: عتق رقبة مؤمن فقط، وذلك عندما يكون أهل المقتول كفارا ذلك لأنه لا يسلم المسلم دية للكافر إلا في حال واحدة وهي إذا كان الكافر حليفا مع المسلمين، فيجب دفع الدية له وفاء بالحلف. الثاني: عتق رقبة ودية تسلم إلى أهل المقتول، وذلك حين يكونون مسلمين أو حلفاء للمسلمين. وإذا لم يقدر القاتل على عتق رقبة سواء كان فقيرا، أو لانعدام الرقبة المستعبدة كما هو الوضع في عصرنا الحاضر، فتتحول الكفارة إلى صيام. إن الاعتداء على النفس البشرية يجازى بالخلود الدائم في النار، بسبب أن القتل إنهاء لحياة القتيل في الدنيا، فيجازى القاتل بإنهاء فرص الحياة في الآخرة. "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها" "النساء: 93". أما جزاؤه في الدنيا فإنه لا يفلح، وسيبعد من رحمة الله ونعمه الواسعة. "وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" "النساء: 93". والقتل هو القتل على رغم أن أساليبه تختلف، فهناك من يقتل الناس مباشرة، وهناك من يحكم عليهم بالقتل، وهناك من يساهم في قتلهم بأفكاره الهدامة، وكل أولئك يلقون في جهنم خالدين فيها. والمجتمع الذي تجري فيه جريمة القتل كسنة لهو مجتمع شقي بعيد عن رحمة الله، بعيد عن الحياة الهانئة، بعيد عن القيم الرفيعة، قريب إلى الهاوية. وهكذا وإن لغة الدم التي يتفاهم بها بعض الناس، وهي اللعن لغة تستخدمها البهائم في الغابات، لا تفصح عن صلاح أبدا، ومن المؤسف أن يكون المجتمع الإسلامي قد تعلم هذه اللغة اللعينة الشيخ عبدالعظيم المهتدي البحراني