نسوق بشرى الى سكان مدينة صفاقس ... أخيرا تم إدراج مدينة صفاقس بالقائمة التمهيدية للتراث العالمي ضمن منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم “اليونسكو ” وهذا ليس للتحنيط أو التباهي ‘ وإنما لإبراز أهميتها التاريخية والطبيعية ‘ وتوظيفها خدمة للسياحة الثقافية كمنتج جديد لتنمية القطاع السياحي بالبلاد . أن تصبح مدينة صفاقس منتج سياحي ثقافي يساهم في إستقطاب السياح وبالخروج بالقطاع من الموسمية الى نمط سياحي جديد يعتمد على نهاية الاسبوع ‘ ولكنه يمتد على كامل السنة ‘ وهو ما يتيح للسياح الاجانب فرصة الاطلاع على ما تزخر به المدينة العتيقة من تاريخ تسعة قرون ومخزون تراثي حرفي حي وما سيحققه من قيمة مضافة . ما قبل الثورة إنطلقت فكرة العمل على إعداد ملف للغرض ضمن تظاهرة ثقافية بمناسبة شهر التراث ‘أعدها نادي مجيدة بوليلة في فضاء برج القلال ‘ وأشرفت عليها الأستاذة أسمى البقلوطي ‘ ولكن معارضة سلطة المخلوع حينها للفكرة ‘ جعلت المجموعة تتقهقر لتأتي الثورة وتعيد إحياء المشروع ‘ وتحظى بموافقة وزير الثقافة في حكومة الباجي ‘ لتسجيل صفاقس ضمن التراث العالمي ‘ وذلك إثر الزيارة التي قام بها إلى صفاقس حينها تأكدت الموافقة . تكونت لجان برئاسة الدكتورة اسمى البقلوطي ‘ من باحثين في التراث ‘ وممثلين عن المعهد الوطني للتراث ‘ وجمعية صيانة المدينة ونخبة من المهتمين بالشأن . تاريخ المدينة يرجع الى القرن التاسع عشر ويتميز بخاصية في التخطيط الاسلامي ‘ فتعتبر صفاقس ثاني مدينة في العالم العربي متميزة بهذا النمط المعماري والهندسي بعد الكوفة . 24 هكتار هو المساح الجملي للمدينة يتصدرها الجامع الكبير' وتتفرع الأسواق وتتعدد وعاءات الحرف في صفاقس ‘ من سوق الطعمة الى النسيج ‘ ومن الحدادين الى الجبوس الى الغرابلية الى سوق الربع الى العطارين . تفوح رائحة البخور والعطور لتحيلك الى نهج البلاغجية ‘ والصباغين الى الجزارين فزنقة عنق الجمل ‘ وروح البناء المعماري الإسلامي لتلمع المدينة ببركة الصايغية ونعني سوق الذهب . هي صفاقس وثراء مخزونها الحرفي ينادينا الى حمايتها وحماية اهم معالمها لتحفظ الى الاجيال القادمة . أن تسجل او تدرج مدينة صفاقس مدينة تاريخية حية ‘ يعني حراك اقتصادي ونمو إستثماري وقيمة ‘ فالتسجيل لا يحنط وإنما يبعث الروح ‘ ويضخ الدماء في أنهج المدينة لترتفع القيمة العقارية وتدخل ديناميكية الزيارات والوفود السياحية الى عمق الفضاءات والأسواق لتتغير عقلية المالك للعقار فيغير ويحسن الواجهات ويبعث المشاريع ذات الصبغة الاقتصادية والسياحية . وعلى الرغم من تطوّر أنماط العيش ظلت بعض الحرف التقليدية مزدهرة كنقش الحجر والخشب وتخريمه وتطريز الجبب وبرشمتها كما تشهد حاليا صناعة المصوغ والعطورات التقليدية انتعاشة جلية. إذ يحاول اليوم ما لا يقل عن 5000 حرفي معترف به رسميا المحافظة على موروث معرفي متراكم مع مواكبة عصرهم ومجاراة النسق الاقتصادي السائد. إقتصرت صناعة الأحذية سابقا على إنتاج البلغة وانحصرت في سوق العقبة ثم سوق البلاغجية بالمدينة لكنها نوعت اليوم نشاطها وطوّرت تقنياتها وزحفت على جانب هام من المجال المخصص للسكن داخل المدينة العتيقة. وخلافا للمدن والمجموعات ذات النسيج العمراني التقليدي التي تأثرت سلبا بالتحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وعلى الرغم من انحسار وظيفتها السكنية، نجت مدينة صفاقس من التهميش وحافظت على حركيتها الاقتصادية. ولئن بدت هذه الحركية غير مهيكلة في معظمها فإنها في الواقع مندمجة تمام الاندماج في نسق الإنتاج الخاص بالمدينة والجهة برمّتها. في زمن تراجع فيه الدور الحضري لنوى المدن العربية الإسلامية القديمة، بقيت المدينة العتيقة بصفاقس متبوّئة مكانة متميزة داخل مركز المدينة. بل تدعّمت تلك المنزلة مع حلول التسعينات وذلك مجاليا ووظيفيا. فمع توسّع مركز مدينة صفاقس بإضافة وحدة حضريّة مركزيّة ثالثة متمثلة في «صفاقسالجديدة» إلى المركز القديم ثنائي الوحدة، أضحى مجال المدينة العتيقة قلبا للمركز وموقعا محوريا يحقق التواصل بين مختلف أجزائه. كما تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من استقرار مساحتها الصغيرة (24 هكتارا) وتخطيطها القديم الذي يعود إلى القرن التاسع ميلادي فإن هذه النواة ما فتئت تعرف بحركيتها الدؤوبة وبسهولة التأقلم مع نسيجها الحضري ومرفولوجية مبانيها وهذا دليل على أن هذا المثال من التهيئة ونعني به المدينة العتيقة ما يزال صالحا للاشتغال بل وأكثر من ذلك، فهو يعتبر مجالا مفضلا من طرف البعض ويتنافس على الانتصاب به. إن ما تشهده مدينة صفاقس من حركية اقتصادية وحرفية تحيلها الى تركيبة فرجوية تضمن فنون حية متحركة مع عصرها ومتاقلمة مع واقعها وتجعل من زائرها فاعلا ومتفاعلا مع حراكها ينتشي بحركية الاسواق وحميمية روادها . تتميز هذه المدينة القديمة بتحرّك وظيفي وعدم إخلاء بشري يعدّ مؤشّرا إيجابيا، إذ ما يجمّد المدن ويحنّطها ويهمّشها داخل الشبكات والمنظومات الحضرية هو الإقصاء الوظيفي، وهي وضعية لا تنطبق على المدينة العتيقة بصفاقس، لكن هذا الدور الذي تحمّلته المدينة العتيقة أدّى إلى تشويه عمارتها وأضرّ بالحياة داخلها وأفقدها العديد من سماتها السالفة ممّا أوجب التدخل وانقاذ ما تبقى لتعود الى واقعها . مع تحيات رياض الحاج طيب