باردو (وات) - واصلت اللجان التأسيسية أشغالها بعد ظهر الاثنين بالنظر في التوجهات الكبرى لمضمون الدستور الجديد من خلال الاستماع إلى خبراء في القانون الدستوري وأخرين في مجال التهيئة الترابية والنظر في تجارب بلدان أجنبية في دسترة عدد من الهيئات مثل الهيئات المشرفة على الانتخابات. فقد استمعت لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما إلى مداخليتن قدمهما كل من أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار وعميد كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية تونس 2 الأستاذ محمد صالح بن عيسى بينا فيهما العلاقة بين السلطات إلى جانب تقديم تصورات قانونية عن كيفية منع تداخل السلطتين التنفيذية والتشريعية وسبل التصدي لعودة الاستبداد إلى البلاد. وفي هذا الإطار أوضح الأستاذ شفيق صرصار أن "تونس لم تعش خلال تاريخها لا نظاما رئاسيا ولا آخر رئاسويا" مبينا ان "ضمانات نجاح أي نظام سياسي في أي بلد لا تكون إلا عند مراعاة خصوصياته وطبيعة المتغيرات الموجودة فيه". وأضاف أن اختيار النظام التونسي المنشود "يجب أن يضع في الاعتبار المحيط السياسي وخصوصية المنظومة الحزبية في البلاد"، على حد تعبيره، منبها إلى "ضرورة تجنب التوجه نحو التكريس الصرف لتوجهات كل من النظام الرئاسي من جهة والنظام البرلماني من جهة أخرى لمنع عودة الاستبداد في تونس". كما دعا إلى إقرار وسائل الرقابة المعقلنة ومحكمة دستورية تسهر على مراقبة احترام الدستور إلى جانب تكريس ضمان استقلالية القضاء ومبادئ الديمقراطية المحلية وهيئات دستورية مستقلة مبديا تحفظه على اعتماد برلمان بغرفتين. ومن جهته اعتبر الأستاذ محمد الصالح بن عيسى أن دستور جوان 59 "غير فاسد بنسبة مائة بالمائة بل من أفسده هو من تلاعب به وجعله على مقاسه"، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن قطع الطريق أمام عودة الديكاتورية في تونس يمر عبر تحديد المشرع لمواد تشريعية صارمة ودقيقة لا تحتمل التأويل من قبل السلطة التنفيذية وتمنعه من تجاوز مهامه أو عبر ضبط كتلة من المواد التشريعية تقع حمايتها بوضعها في اختصاص المشرع دون أن تكون للسلطة التنفيذية صلاحيات المساس بها. من جانبها استمعت لجنة الجماعات العمومية والجهوية والمحلية إلى تصور الجمعية التونسية لمخططي المدن لكيفية النهوض بالجماعات الجهوية والمحلية وطرق تعزيز استقلاليتها بما يرسي ديمقراطية محلية ويدعم لامركزية القرار في الجهات. فقد شددت رئيسة الجمعية هندة القفصي على أن اعتماد اللامركزية كركيزة أساسية لنظام الحكم في تونس "يعد ضمانا لاستقلالية فعلية للجماعات المحلية ويعزز قدرتها على توفير مواردها الذاتية ويكرس مبدأ التكافل بين الجهات والبلديات". وبينت مزايا وضع الأسس الدستورية لعلاقة الجماعة المحلية بالسلطة المركزية من حيث الانتقال التدريجي للاختصاصات والموارد ونوعية الرقابة فضلا عن طبيعة العلاقة بين السلط اللامحورية بالجهات والهيئات المنتخبة جهويا ومحليا. ومن ناحيتها نظرت لجنة الهيئات الدستورية في تجارب مقارنة في طرق اعتماد هيئات ولجان معنية بالإشراف على الانتخابات بعدد من البلدان على غرار تجربة جنوب افريقيا وتجربتي فنزويلا والشيلي إلى جانب النظر في المهام والأدوار التي اوكلت سابقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات للإشراف على انتخابات أكتوبر 2011. ويغلب على التصورات داخل اللجنة توجه يقضي بتضمين الدستور الجديد إحداث هيئة مستقلة تعنى بالانتخابات. واستمعت لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري من جانبها إلى الرئيس الأول لمحكمة التعقيب إبراهيم الماجري الذي أعطى بسطة حول رؤيته لمرفق القضاء في الدستور المرتقب مشددا على ثلاث مسائل أساسية وهي تكريس مبادئ السلطة والاستقلالية للقضاء بالإضافة إلى التنصيص على ضامن لتكريس ذلك. ودعا إلى جملة من الشروط لتحقيق ذلك أبرزها التنصيص صلب الدستور على أن القضاء سلطة مستقلة لا سلطان عليها سوى القانون مبينا أن ذلك لا يتحقق الا بإنشاء المجلس الأعلى للقضاء الذي ستوكل إليه مهمة تسيير شؤون القضاة. وأكد على ضرورة أن يتم التنصيص على أن يكون رئيس الدولة الضامن لاستقلالية القضاء وهو من يتولى تسميتهم بأمر بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء مطالبا في سياق آخر بمنع الإعلام من تناول القضايا المنشورة لدى القضاء بالنشر أو التحقيق. أما لجنة الحقوق والحريات فقد استدعت في إطار جلسات الاستماع التي انطلقت فيها منذ مدة إلى رئيس فرع منظمة "المادة 19" بتونس، هشام السنوسي الذي قدم ملفا للجنة حول حرية التعبير والمعلومة مؤكدا ضرورة أن يتم أخذ الجانبين القيمي والسياسي بعين الاعتبار عند تضمين حرية التعبير صلب الدستور الجديد. ودعا بخصوص الجانب الأول إلى إقرار الحق في النفاذ إلى المعلومة وتجاوز المرسوم عدد 41 المتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية الذي أدخلت عليه بعض التحفظات والتي نالت منه بعض الشيء مبينا بخصوص الجانب الثاني أن الدولة لا يجب بأي حال من الأحوال أن تمارس رقابة على من يمارسون مهن الإعلام والنشر. وشدد على أن حرية الإعلام يجب أن تنظم داخل أطر مستقلة عن السلطة والمصالح السياسية والتجارية مقترحا إفراد الحقوق والحريات بباب خاص أو صياغة "ميثاق للحقوق" يكون تابعا للدستور كما حصل في تجربة الانتقال الديمقراطي في جنوب افريقيا. وواصلت لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية وتعديل الدستور مناقشة مشروع المسودة الأولية لصياغة التوطئة التي أعدها مكتب اللجنة فقرة فقرة والتدقيق في العبارات والألفاظ والجمل بعد أن خصصت الجلسة السابقة لابداء ملاحظات عامة بشأن المشروع. وأفاد المولدي الرياحي (كتلة التكتل) في تصريح ل(وات) أن مكتب اللجنة عند صياغته لمشروع التوطئة قام بعمل جيد بناء على جملة الملاحظات التي تم تجميعها طوال الشهرين الماضيين صلب اللجنة، مبينا أن أشغال اللجنة الاثنين خصصت للنظر في المضمون العام لنص التوطئة بعد التوافق بشأن أهم محاورها. وأضاف أنه سيتم في المرحلة القادمة النظر في مشروعين أو أكثر لتوطئة الدستور لمناقشتها، مشيرا إلى أنه يتوقع نهاية الأسبوع القادم آخر أجل للانتهاء من صياغة التوطئة على مستوى اللجنة ليتم رفعها لاحقا إلى الجلسة العامة لمناقشتها والتصويت عليها. وهو نفس ما أكده النائب عصام الشابي (الكتلة الديمقراطية) والذي أفاد أن لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية وتعديل الدستور هي أول لجنة تأسيسية تمر إلى المرحلة العملية في كتابة الأحرف الأولى من الدستور الجديد موضحا أن المشروع المقترح يعكس ما هو محل توافق بين كافة أعضاء اللجنة. ولاحظ أن المطلوب تحسين مشروع التوطئة وتكثيف معانيها والاختصار في حجمها معلنا أنه سيتم المرور إلى النظر في المبادئ الأساسية في ظرف أسبوعين وحال الانتهاء من صياغة التوطئة.