تونس (وات) - استأثرت مسألتا التوطئة والفصول المتعلقة بالحقوق والحريات والمبادئ الأساسية باهتمام الجلسة الصباحية من المائدة المستديرة حول موضوع "قراءة أولية في مشروع الدستور" التي نظمتها الأربعاء بالعاصمة الجمعية التونسية للقانون الدستوري والمنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية. وأكد عياض بن عاشور أن أخطر مسألة في مشروع مسودة الدستور هو ما أسماه "اغتيال الحرية الفكرية" وتكرر ذكر احترام المقدسات "مما يدفع إلى التساؤل عن حقيقة مدنية الدولة التي يجب تكريسها بعد الثورة" على حد تعبيره. ولاحظ أن مسودة التوطئة في شكلها الحالي تعد مشرفة لأنها أكدت على ثوابت الإسلام ومقاصده في علاقتها بالقيم الكونية مركزا على الفقرة الثانية منها التي قال "إنها اختزلت عصارة جملة من المبادئ في فقرة واحدة". واستدرك بن عاشور أن الايجابيات التي بدت في التوطئة لم تنسحب على كامل نص الدستور ،معتبرا أن خيار تقديم المبادئ الأساسية على الحقوق والحريات "لا يتماشى مع مبادئ الثورة" وكان من الأجدى حسب رأيه "تقديم باب الحقوق والحريات". وانتقد من الناحية المنهجية الخلط الحاصل صلب مشروع الدستور بين المسألتين ملاحظا في ما يتعلق بالموضوع، أن هذه الفصول "احتوت على الكثير من الالتزامات العامة الطوباوية التي لا تؤدي إلى قوانين دقيقة أو التزام حقيقي" على حد تعبيره. وأكد بخصوص الفصل 28، المتعلق بحقوق المرأة، أن كل كلمة فيه تعد لغزا في حد ذاتها. وفي سياق آخر استعرض بن عاشور بإيجاز الظروف التي حفت باختيار تنظيم "انتخاب مجلس وطني تأسيسي" عوض انتخابات رئاسية أو رئاسية وبرلمانية معتبرا هذا الخيار إضافة إلى خيار كتابة الدستور انطلاقا من ورقة بيضاء، "أخطاء جسيمة ساهمت في إطالة المسار وجعله أكثر صعوبة" حسب قوله. وخالف رئيس الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري غازي الغرايري في مداخلته حول التوطئة والمبادئ الأساسية، بن عاشور في ما ذهب إليه بخصوص التوطئة والفقرة الثانية منها ،معتبرا أنه تم حشر عديد المفاهيم ضمن هذه الفقرة دون توضيحها بصفة جلية. وانتقد محاولة بعض نواب المجلس الوطني التأسيسي إضفاء صفة "ما فوق دستورية" على بعض المسائل المتعلقة بالدين واللغة والنظام الجمهوري ومدنية الدولة لأن ذلك حسب رأيه "من شأنه أن يولد دستورا مكونا من فصل وحيد تخضع له جميع الفصول". واقترح الغرايري بخصوص نفس الفصل إضافة عبارة "تونس دولة مدنية ديمقراطية" وذلك من وجهة نظره "تماشيا مع مبادئ الثورة"، داعيا إلى عدم التراجع عن المستوى الذي بلغته تونس بصياغة دستور 59 والمضي قدما نحو صياغة أفضل للدستور الجديد من خلال التنصيص فيه على منظومة حقوق الإنسان. وركز الأستاذ الجامعي سليم اللغماني في مداخلته على تقصي الفصول التي مست حسب رأيه من حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية حيث أشار إلى أن الفصل الأول من الدستور أبقى على الضبابية المتعلقة بدين الدولة وفتح الباب لتأويلات مختلفة حسب الظروف السياسية، منتقدا إضفاء علوية على الفصل الأول من الدستور الذي من شأنه حسب تعبيره "إغلاق الباب نهائيا أمام العلمانية". وعارض التنصيص على دين رئيس الجمهورية لما فيه من تمييز بين المواطنين على أساس المعتقد مقترحا التنصيص على حرية الفكر والضمير والمعتقد تماشيا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عوض الاقتصار على حرية المعتقد فقط. وأوضح أن تجريم الاعتداء على المقدسات في الدستور أمر غير ممكن لأن ذلك من اختصاص المجلة الجزائية. وأكدت الأستاذة الجامعية سلوى الحمروني أن السلطة التأسيسية مترددة ومتناقضة بخصوص تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين مبينة أنه كان أولى وأحرى بها أن تنطلق بالتنصيص على هذا المبدأ منذ الفصل الأول في باب الحقوق والحريات. وانتقدت الفصل 28 المتعلق بحرية المرأة الذي رأت أنه يتحدث عن حماية حقوق المرأة ليس بصفتها كائنا بل باعتبارها شريكا للرجل ومكملة له داخل الأسرة ملاحظة ان هذا الفصل يشكل حسب رايها "كتلة من العبارات التي لا يمكن أن يترتب عنها أي أثر قانوني". وعارضت التمييز الحاصل في التنصيص على دين رئيس الجمهورية وإقصاء حامل الجنسية الثانية عن الترشح لهذا المنصب موضحة "أنه كان بالإمكان تجنب ذلك لو تم الأخذ بعين الاعتبار بعض التجارب المقارنة". وفي مداخلتها حول حدود الحقوق والحريات تساءلت الأستاذة الجامعية سلسبيل القليبي عن مكانة هذا المشروع من دستور 59 مؤكدة أن هذا المشروع أبقى على نفس المخاطر التي كرسها الدستور القديم بمصادرة الحقوق والحريات في بعض الفصول وإحالة تنظيمها إلى المشرع. واعتبرت أن مشروع الدستور في جانب منه كان مشرفا غير أن الجانب التحرري فيه كان ضعيفا بسبب ما أسمته "البحث عن الهوية الثقافية على حساب الهوية المدنية". ولاحظت أن تجريم المس بالمقدسات يطرح خطورة كبيرة حول الجهة المخولة بالتجريم هل هي تنفيذية أو تشريعية تتم بأمر أو بقانون. وبحث المتدخلون في الجلسة الثانية في مسائل تتعلق بالقانون الدولي في مشروع الدستور وطبيعة النظام السياسي والسلطة القضائية والهيئات المستقلة والديمقراطية المحلية. وقد غصت قاعة الاجتماع بعديد الوجوه وفي مقدمتها بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي يتقدمهم رئيس المجلس مصطفى بن جعفر وبعض أعضاء هيئة تحقيق أهداف الثورة وهيئة إصلاح الإعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولجنة تقصي الحقائق بالإضافة إلى عديد الخبراء والضيوف الأجانب.