تونس 18 نوفمبر 2010 (وات/ تحرير ريم قاسم) - أعلن الرئيس زين العابدين بن علي في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين للتحول عن تخصيص سنة 2011 للاحتفاء بمائويتي الأديبين الكبيرين محمود المسعدي ومحمد البشروش. وسيتزامن الاحتفال بهذين الأديبين التونسيين مع الاحتفال بسنة الكتاب التي تم الإعلان عنها سابقا وهو قرار يأتي ليؤكد العناية التي ما انفك يوليها رئيس الدولة لرجال الثقافة والفكر والأدب في تونس. وتنكب وزارة الثقافة والمحافظة على التراث حاليا على تكوين اللجنتين اللتين سيعهد إليهما بإعداد برنامج الاحتفاء بمائويتي الأديبين الكبيرين. وستضم كل لجنة شخصيات ثقافية مشهودا لها إلى جانب ممثلين عن مختلف الوزارات والهياكل والمنظمات ذات الصلة بهاتين الاحتفاليتين. ومن المنتظر أن تنطلق التظاهرات الخاصة بمائوية ميلاد الأديب محمود المسعدي في شهر جانفي 2011 في حين تنطلق التظاهرات الخاصة بمائوية ميلاد الأديب محمد البشروش في شهر أفريل 2011. وبعد الاحتفال بمائوية شاعر إرادة الحياة أبي القاسم الشابي والأديب مصطفى خريف تتوالى الإجراءات والمبادرات الرئاسية الهامة لفائدة الثقافة وأهلها على وقع تواصل إنجاز المشروع الضخم "مدينة الثقافة" التي ستفتح أبوابها أمام أهل الثقافة من أدباء وشعراء ومسرحيين وموسيقيين وسينمائيين وغيرهم. والواقع أن الجمع بين المسعدي (1911-2004) والبشروش (1911-1944) ليس من قبيل الصدفة... فالأديبان من أعلام القصة والرواية في تونس والعالم العربي وقد ساهما بشكل كبير في نحت ملامح مدرسة أدبية بأكملها... كما ارتبط اسم الأديبين بتاريخ الثقافة في تونس حيث قام البشروش (وهو أحد الأصدقاء المقربين للشاعر أبي القاسم الشابي) بتأسيس مجلة "المباحث" في ثلاثينات القرن الماضي (1938) وساعده بشكل كبير صديقه محمود المسعدي الذي واصل في ما بعد الكتابة في المجلة وعمل على المحافظة على استمراريتها على امتداد السنوات الموالية عندما تولى رئاسة تحريرها إثر وفاة مؤسسها البشروش. وقد جمعت مجلة "المباحث" على صفحاتها كبار الكتاب التونسيين والعرب. ويعد البشروش أحد كبار التنويريين التونسيين الذين ساهموا بدور إصلاحي بارز في تاريخ تونس في النصف الأول من القرن العشرين مع أصدقائه وأبناء جيله مثل الشاعرين أبي القاسم الشابي ومصطفى خريف والمفكر والمصلح الاجتماعي الطاهر الحداد. وقد تم التأكيد خلال عديد الجلسات الأدبية للملتقى الوطني محمد البشروش للقصة والدراسات النقدية الذي يقام كل سنتين بمدينة دار شعبان الفهري مسقط رأسه أن قول الشعر لدى محمد البشروش كان ضمن اهتماماته المتنوعة في الادب والثقافة عامة. فقد بحث هذا الشاعر في أنماط جديدة للكتابة الشعرية تستند في ما تستند على بعض خصائص النثر الفني القديم بما يجعل منه بحق أحد رواد الكتابة الشعرية الجديدة في النصف الأول من القرن العشرين. وهو ما جعل العديد من الدارسين يرون أن "الشعر لدى محمد البشروش يعتبر أحد عناصر تجربته الأدبية التي تمتاز بالبحث عن التجديد ضمن أدب تونسي المنطلق وعربي الأفق وأوروبي الاقتباس لكنه يحمل القيم الإنسانية الخالدة". هذه القيم ظل الأديب الكبير محمود المسعدي ينشدها وهو يرى "سراجا في آخر الغاب منيرا". فقد حمل المسعدي أيضا آمال وآلام جيل كامل من المثقفين التونسيين الذين كان هدفهم الأسمى بناء شخصية وطنية متفتحة وواعية و"متأصلة الكيان". ومن أهم أعمال الأديب محمود المسعدي كتابه الشهير "السد" الذي تمت ترجمته للعديد من اللغات وكذلك كتبه "حدث أبو هريرة قال..." و"مولد النسيان" و"تأصيلا لكيان". ويعتبر المسعدي أحد رواد الثقافة لا في تونس فقط بل في العالم العربي وقد تأثر في كتاباته بالفلاسفة والأدباء الوجوديين أمثال جان بول سارتر لكنه مع ذلك كان متشبعا بالثقافة العربية الإسلامية ومطلعا على آدابها في عصورها الذهبية. ولم يقترن اسم محمود المسعدي بمجلة "المباحث" فقط بل كان مؤسس مجلة "الحياة الثقافة" التي لا تزال تصدر إلى اليوم عن وزارة الثقافة. وكان للمسعدي أيضا دور كبير في تطوير المناهج التربوية والتعليمية في تونس خاصة عندما تولى الإشراف على وزارة الثقافة وكذلك عندما كان أول وزير للتربية في تونس غداة الاستقلال وتواصل إشرافه على شؤون التربية لمدة عشر سنوات سعى خلالها المسعدي إلى تحقيق ديمقراطية التعليم ونحت ملامح شخصية ثقافية تونسية منفتحة... وليس بغريب أن يخصص رئيس الدولة سنة كاملة للاحتفاء بأحد رواد الأدب العربي، صاحب "السد" هذا الأثر الفريد الذي قال عنه الأديب طه حسين "قرأت السد مرتين واحتجت إلى قراءة ثالثة". كما تحدث الأديب السوداني الطيب صالح عن المسعدي قائلا "إن كل كتاب من كتبه تحفة نادرة ولؤلؤة عجيبة لا تتأتي إلا لعتاة الغواصين في بحار المعاني". وتأتي احتفالات تونس سنة 2011 بمائويتي محمد البشروش ومحمود المسعدي ضمن مشروع متكامل خص به الرئيس زين العابدين بن علي قطاع الثقافة من بين مكوناته الاحتفاء بمائويات رموز الثقافة والإبداع في تونس حرصا على إعادة الاعتبار لعديد الشخصيات الفكرية والأدبية على غرار الاحتفال بمائوية كل من خريف والشابي وعلي الدوعاجي والعلامة الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور وهي مبادرات تؤكد المنزلة القيمة التي يحظى بها قطاع الثقافة والمثقفون في تونس اليوم.