بن قردان 2 أفريل 2011 (تحرير ضحى طليق) يعد أكل ثمرة الترفاس (الكمأة) وهو من الثمار النبيلة بكل المقاييس من الأشياء الممتعة وذلك لمذاقه المتميز فضلا عما يختزنه من خصائص غذائية نافعة جدا، إلا ان جني هذه الثمرة التي تنتشر خاصة في الأحراش الممتدة ببادية الجنوب الشرقي التونسي على تخوم الصحراء يعد أمتع من أكله وهو أمر لا يدركه إلا سكان هذه المناطق، أو من جرب هذه العملية. ويصادف هذه الأيام موسم جني هذه الثمرة التي تزدهر بعد أمطار ديسمبر، ويتواصل جمعها من بدايات شهر فيفري إلى أواخر شهر أفريل، وكلما كان موسم أمطار الشتاء جيدا كانت الصابة من هذه الثمرة التي يتراوح سعر الكلغ منها بين 10 دنانير و25 دينارا وذلك حسب النوعية واللون، وفيرة. وقد لاحت أولى علامات وفرة مادة الترفاس خلال هذا الموسم عبر عشرات الأطفال الذين انتشروا على أطراف الطريق الفاصلة بين بن قردان ورأس جدير وهم يلوحون بأكياس ملأى بهذه الثمرة ويعرضونها على أصحاب السيارات المارة خاصة من الليبيين. والترفاس نبات فطري، يشبه في شكله وأحجامه ولونه البطاطا، ولا جذر له ولا ساق وينمو مطمورا في التربة في الأراضي المنبسطة التي تتجمع فيها المياه وتتكاثر فيها الأعشاب والشجيرات الصحراوية (مثل التقوفت، والقرضاب والقزاح) وعندما تنضج الثمرة تتفتق الأرض معلنة عن وجودها. تحوي حبة الترفاس 20 بالمائة من البروتينات و12 بالمائة من المواد النشوية و1 بالمائة من الدهون، وثلاثة أرباعه (75 بالمائة) من الماء. كما تحوي معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور، والصوديوم، والكالسيوم، والبوتاسيوم. كما تحوي فيتامين "س" وهي غنية بالفيتامين "ب"، إلى جانب كميات من النيتروجين والكربون، والأكسجين، والهيدروجين، وهو ما يجعل تركيبة الترفاس شبيهة بتركيبة اللحم. وطعمه مطبوخا يشبه طعم كلى الضأن، أضف إلى ذلك رائحته المحببة وطعمه الشهي، خاصة المشوي مما يغري الكثيرين بالإقبال عليه مهما غلا الثمن وارتفع. ومع لذة طعمه فانه يتطلب الحذر حين أكله لأنه يحتاج حرصا شديدا في تنظيفه من الرمال والأتربة وكثرة أكله قد تسبب بعض المتاعب والأوجاع لأنه عسير الهضم، ويعد جمع الترفاس وبيعه خاصة لليبيين الذين يقبلون عليه بأعداد كبيرة مصدر رزق موسمي لعديد العائلات بالجنوب الشرقي التونسي في جزئه المتاخم للصحراء، وقد ازداد إقبال الكثيرين من سكان بن قردان عليه هذه السنة، في ظل ما تشهده المنطقة من ركود تجاري بسبب تردي الأوضاع الأمنية الذي تلا الثورة وكذلك جراء الأحداث التي تعيشها ليبيا المجاورة. وتمثل منطقة "جميلة" التي تبعد حوالي 15 كيلومترا جنوب غرب قرية الزكرة على الطريق بين مدينة بن قردان ورأس جدير "مجنى" خصبا لهذه الثمرة تقصده العائلات للتمتع بالنزهة في البراري والتمتع بالهواء النقي. هذا الموقع كان خلال الأيام الماضية يعج برواد من أجيال شتى سيما أن الفترة تصادف عطلة الربيع. جني الترفاس لا يتطلب أدوات أو وسائل معقدة، فالعدة لا تزيد عن غطاء للرأس يقي من حرارة الشمس، وأكياس بلاستيكية توضع فيها الثمار وملعقة لإزاحة التراب عن الفطر، وذلك إلى جانب الماء والأكل وعدة طبخ الشاي. وعملية الجني لمن يمثل الترفاس بالنسبة إليه مصدرا للرزق يستمر طوال النهار. تقول نجاة إحدى محترفات جني الترفاس وابتسامة لا تفارقها "أقضي كامل اليوم هنا في "جميلة"، كنت في الماضي أنا ورفيقاتي من نساء القرية نستقل حافلة السابعة صباحا التي تربط بين بن قردان ورأس جدير، إلا أنها وضعت ضمن الأسطول المخصص لنقل اللاجئين فاضطررنا لكراء سيارة نقل ريفي توصلنا يوميا في الصباح وتعود إلينا مع مغيب الشمس" مضيفة أن أبناءها يتولون في اليوم الموالي بيع ما رزقها به الله لمساعدة زوجها خاصة في ما يتعلق بتجهيز ابنتها التي تنوي الزواج خلال هذا الصيف. وإذا كان جني الترفاس لا يتطلب أدوات معقدة فإن ذلك لا يعني سهولة العثور عليه سيما بالنسبة لمن هو ليس من اهل البادية، فإلى جانب دقة النظر لا بد أن يتمتع الشخص بفراسة من ألفوا الصحراء وتضاريسها. تؤكد زينب أصيلة هذه المنطقة، وتدرس في إحدى جامعات سوسة بنبرة فيها الكثير من الفخر بالانتماء إلى هذه الربوع "اعشق جمع الترفاس، واحرص على العودة كل عطلة ربيع للاستمتاع بالخروج إلى البراري وممارسة هذه الهواية، أما في ما يتعلق بكيفية التعرف على علامة وجود الثمرة ، فلا بد من تدقيق النظر لاكتشاف "البند" وهو المكان البارز والمتشقق من الأرض ، كما يجب توخي الحذر عند إزالة التراب عن الثمرة فهي بغاية الحساسية وسريعة التفتت". وتتدخل هنا هدى ابنة عم زينب بالقول "ما نجنيه من جمع الترفاس يساعدنا في شراء ما نحتاجه سواء من أدوات ولوازم مدرسية أو من ألبسة وغيرها، وهكذا لا نثقل كاهل أوليائنا بطلباتنا". أما سعاد والدة زينب فتؤكد ان جني الترفاس يتطلب الكثير من الصبر والمعاناة "فالشخص يقضي الساعات الطوال وهو شبه منحن بحثا عن ضالته، وإذا لم يحظ بثمرة منذ اول وهلة فعليه مواصلة البحث بلا كلل، وأفضل أوقات العثور على الثمرة، هي إما عند الصباح أي قبل أن ترتفع الشمس حتى لا تغشي أشعتها البصر، وكذلك بعد العصر، وأيضا عندما تكون السماء مغشاة ببعض الغيوم البيضاء". هذه المعطيات لمسناها على ارض الواقع، فما ان شارف النهار على الانتصاف حتى توقف الكل عن البحث وانقسمت النساء والفتيات إلى مجموعات، بعضهن احتمين بظلال النخيل لتناول الغداء وأخريات بدأن في جمع بعض الأعشاب الجافة وإشعالها لطبخ الشاي. وبطبيعة الحال لن يستطيع أي شخص متواجد بالمكان من أن يفلت من دعوات كريمة لتقاسم الشاي والأكل معها. وتسمي العرب الكمأة نبات أو بنت الرعد لأنها تكثر بكثرته خاصة بعد أمطار الشتاء وأمطار شهر مارس المصحوبة بالرعود. أما محاولات زراعتها بتدخل الإنسان في ذلك، فقد باءت جميعها حتى الآن بالفشل. وتوصل الباحثون بمعهد المناطق القاحلة بمدنين منذ بدء عملهم حول هذه الثمرة الصحراوية المنتشرة بالجنوب الشرقي للبلاد التونسية وتعتبر من أجود أنواعه وأفضلها استهلاكا سنة 2003 الى التعرف على مكونات الكمأة وعلى خصوصيات النباتات المضيفة لها وهي عادة "الارقة" أو "الشيح" وأحيانا نبتة أخرى تعرف محليا ب"الشعال". وإضافة إلى الأكل يستعمل الترفاس لعلاج هشاشة الأظافر وسرعة تكسرها أو تقصفها وتشقق الشفتين واضطراب الرؤية، وفي علاج الرمد الحبيبي "تراكوم". وقد وقفنا خلال رحلتنا بحثا عن هذه الثمرة المتخفية والمراوغة على خصائص أخرى للترفاس لا تقل قيمة صحية. فبعد قضاء يوم من البحث يتفطن الإنسان إلى انه قضى ساعات وهو يمارس رياضة المشي فضلا عن حركات الانحناء ثم الوقوف المتكررة، رياضة في أحضان الطبيعة مع استنشاق الهواء النقي...