خلُص موقع "الكاميرا والقلم" الذي يشرف عليه الصحفي سليم بوخذير، إلى أنّ المقال الذي نشرته صحيفة "الأنوار" الأسبوعية بعنوان "الأنوار تفتح ملف ثروة الغنوشي، 2700 مليار بين تونسوفرنسا"، يوم 26 مارس الجاري، "غير مهني وكل معلوماته فاقدة للمصداقية زائفة". وكانت الصحيفة التي تصدّر المقال المذكور عنوان غلافها، اتهمت رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب ب"تصدر قائمة الأثرياء في تونس بثروة لا تقل عن 2700 مليار بين فرنسا وسويسرا" مصادرها التهريب وتجارة السلاخ والتسفير وعديد الأنشطة غير الشرعية. ولم تقدم الصحيفة أي براهين أو وثائق تثبت صحة التفاصيل الوافرة التي نشرتها في تقريرها المطول. كما لم تسند معلوماتها إلى مصادر دقيقة بل وصفت جزءًا كبيرا من هذه المعلومات بما قالت إنها "معطيات سربتها قطر إلى الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة"، أما جزء آخر من المعطيات فأسندتها الصحيفة إلى "مصادر متطابقة". وأفضى التدقيق الصحفي الذي أجراه فريق موقع "الكاميرا والقلم"، إلى أنّ المقال المذكور لا يمكن تصنيفه على أنّه تحقيق تقصٍّ، لأنّه خلا من مبدأيْن رئيسيْن لتحقيق التقصي وهو تقديم الاثباتات إلى القارئ على ما تضمنه من اتهامات، أو التنويه إلى التحوّز على هذه الإثباتات المفترضة وطبيعتها إن كانت مكتوبة أو سمعية أو مصورة ومضامينها . وأشار الموقع إلى أنّ المقال افتقد أيضا، إلى مبدأ مواجهة الطرف المعني بهذه الاتهامات والاستماع إلى ردّه لتبيّن وجاهة الاتهامات الموجهة له. كما استند التقرير في جزء كبير من تفاصيله إلى ما قال إنها "تسريبات" من "قطر إلى الحكومة المصرية" دون أن يقع التنصيص على نوعية هذه التسريبات إن كانت تسجيلات أو أوراق أو وثائق سمعية أو شهادات موثقة. وهذا التنصيص كان ضروريا لإعطاء مصداقية للمعطيات الواردة عن مضمونها. ونبّه موقع "الكاميرا والقلم" إلى أنّ صحيفة "الأنوار" استندت في جزء آخر من تقريرها إلى ما قالت إنها "مصادر متطابقة" دون أن تحدد نوعية هذه المصادر. ووردت في المقال روايات كثيرة ملتبسة من الناحية المنطقية من ذلك عدم تفسير التقرير للعلاقة الزمنية بين حديثه عن "تهريب أسلحة إلى ليبيا" في أوت 2020 "من خلال طائرة تركية حطت في مطار جربة" "مقابل عمولات للغنوشي" وبين أن يكون السند في ذلك هو محتوى حاسوب مصطفى خذر المسجون قبل ذلك التاريخ ب7 سنوات. وقد سعى موقع "الكاميرا والقلم" إلى التحقّق من مصداقية التفاصيل الواردة في تقرير "الأنوار" المثير، لكنّ محرّر المقال فؤاد العجرودي لم يجب لا على المكالمات الهاتفية ولا على الإرساليات القصيرة التي وجهت إليه، حسب ما نوّه إليه تقرير التدقيق الصحفي. أمّا نجم الدين العكاري، رئيس تحرير صحيفة "الأنوار"، فقد اكتفى بالقول إنّ المحرر "لم يشر في مقاله إلى اتصاله بالطرف المعني بمضمون المقال ولا أعرف إن كان اتصل به أم لا ولكن بإمكان هذا الطرف استعمال حق الرد ونحن سننشره له"، وذلك جوابا على سؤال يتعلق بضرورة احترام هذا المبدأ المهني في التحقيقات، خاصة مع احتمالية أن تكون للطرف المقابل أدلة نفي تدحض الاتهامات. أمّا بخصوص الأدلة والمستندات التي لم ينوه التقرير أصلا إلى تحوّز الصحيفة عليها، فقد أجاب رئيس التحرير: "لنا ملف متكامل وللزميل فؤاد الأدلة القاطعة على المعلومات الواردة في المقال وفي حالة مطالبة الطرف المقابل بحق الرد سنمكنه منه ويبقى لنا حق التعقيب على رده ووقتها سننشر الأدلة التي بحوزتنا". وقد خلص موقع "الكاميرا والقلم" إلى أنّ المقال المذكور، الذي خلا من المستندات ومن مبدأ المواجهة للمتهم، واحتوى أخطاء مهنية أخرى، "لا يمكن تصنيفه (على الشاكلة والمضمون اللذيْن نُشر بهما) على أنه تحقيق تقصٍّ ولا يمكن تصنيفه أيضا في خانة أي جنس صحفي فلا هو مقال رأي ولا هو نقل لوقائع وقعت مشاهدتها عينيًّا من طرف كاتب المقال (روبرتاج) ولا هو نقل لتصريحات أو شهادات ولا هو حوار صحفي مع مصدر ولا هو أي صنف آخر من العمل الصحفي، فهو مقال غير مهني". وأكّد الموقع عدم وجاهة تعلّل نجم الدين العكاري باحتفاظ الصحيفة بالأدلة لنشرها متى مارست النهضة حق الرد، لأنّ الصحيفة لم نوّه إلى هذه الأدلة عند نشر التقرير. كما أنّ كل ما ورد في التقرير من معلومات من غير أدلة تُعد من الناحية المهنية معلومات لا يُعتد بها وفاقدة للمصداقية وزائفة. وشدّد موقع "الكاميرا والقلم" على أنّ "نشر بعض الروايات الزائفة بشأن ثروات بعض السياسيين من شأنه الإضرار بمصداقية الصحافة والصحافيين ويلقي بظلال من التشويه على الروايات الصحيحة عن هذه الثروات". يشار إلى أنّ حركة النهضة أعلنت في بيان يوم السبت الماضي اعتزامها مقاضاة صحيفة "الأنوار" واعتبرت ما نشرته مقالا تضليليا يأتي في إطار "محاولات التشويه المتزامنة لحركة النهضة". وفي اليوم نفسه أعلن مكتب الغنوشي أنّه حصل على التزام من مؤسستين إعلاميتين عربيّتين، أمام القضاء البريطاني بإزالة أربع منشورات تحتوي "ادعاءات كاذبة وتشهيرية في حقه، مضمونها أنه جمع ثروة مفرطة، بما في ذلك من الفساد والأموال غير المشروعة مصدرها جهات أجنبية بعنوان العمل الخيري". والمؤسستان هما جريدة "العرب" وموقع "ميدل إيست أونلاين"، اللتين كسب الغنوشي دعاوى قضائية أخرى ضدهما أمام المحكمة العليا البريطانية سنة 2020، باعتبارهما مسجلتان في بريطانيا، حيث تم تغريمهما وإلزامهما بحذف المنشورات ونشر الحكم القضائي.