أثار خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد بمناسبة الذكرى66 للاستقلال جدلاً سياسيا واسعا نظرا لكميّة الأخطاء التي رافقت الخطاب شكلاً ومضمونا. وأطلّ سعيد على التونسيين في ساعة مبكرة فجر الإثنين ليلقي خطاب تهنئة، مشيدا بالاستشارة الوطنية التي حققت نتائج ضعيفة. كما حاول الترويج لدستوره الجديد الذي يتضمن وضع نظام سياسي جديد اعتبره سيسهم في حل مشاكل البلاد، فضلا عن توقيع ثلاثة مراسيم تتعلق بالصلح الجزائي والشركات الأهلية ومقاومة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة. وفي خطابه، روى سعيد قصة "الغراب والثعلب" للأديب الفرنسي جان دو لافونتين، التي ذكرها بورقيبة في حواره مع رئيس إفريقي، حيث شبه بورقيبة نفسه بالغراب كما شبه مزالي بالثعلب، مشيرا إلى أنه لن يترك لمزالي قطعة الجبن، قبل أن يؤكد سعيّد أن قطعة الجبن "تعفّنت" بسبب الوضع السياسي في البلاد. وأثارت رواية سعيد استنكار السفير السابق الدكتور أحمد القديدي، وأشار إلى أنّ سعيد أهان مزالي وتجنّى عليه من خلال قصة وهمية غير صحيحة، حيث كان القديدي حاضرا في استقبال الضَّيف الإفريقي المُشار إليه في تونس بقصر قرطاج، حسب قوله. وقال القديدي في تدوينة على صفحته بالفايسبوك: "أقسم لكم أني كنت حاضرا في القاعة البيضاء بقصر قرطاج حين استقبل الزعيم بورقيبة ضيفه رئيس الغابون عمر بانغو ولم يحدث ما حكاه سعيد ! كنت حاضرا وكان غائبا لا نعرف أي شيء عنه ولم يكن قريبا من أي حزب في الحكم ولا المعارضة!! فالرجاء عدم التنكيل بالراحلين الذين خدموا الدولة ثم ضحوا من أجل الديمقراطية والحرية والهوية". وقد تولى سعيّد ختم ثلاثة مراسيم تتعلق بالصلح الجزائي والشركات الأهلية ومقاومة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة، على مائدة قال إنها شهدت توقيع معاهدة باردو التي مكنت فرنسا من احتلال تونس سنة 1881، لكنه أشار أيضا إلى أن بورقيبة استخدم المائدة نفسها لختم قانون متعلق بتأميم الأراضي سنة 1964. ويبدو أن سعيّد أخطأ في اختيار الطاولة، حيث نشر عدد من النشطاء صورا عدة تؤكد وجود فرق كبير بين طاولة معاهدة باردو والطاولة المزيفة التي اعتمدها سعيّد. وعلق السياسي والحقوقي عبد الوهاب هاني على جدل الطاولة قائلا: "كل شيء زائف ومُشوَّه وممسوخ ولا يمتُّ للحقيقة وللتَّاريخ بصلة، حتَّى الطَّاولة الَّتي قُدِّمت لرئيس الجمهوريَّة على أنَّها الطَّاولة الَّتي أمضى عليها الباي اتِّفاقيَّة العار 12 ماي 1881 ليست نفس الطَّاولة". وتابع في تدوينة على صفحته بالفايسبوك:"أمضى مراسيمه على طاولة أُخرى ظنَّا منه أنَّه يقوم مقام الزَّعيم الخالد الَّذي ختم قانون الجلاء الزِّراعي يوم 12 ماي 1964 بعد مصادقة البرلمان". وفي ساعة متأخرة من مساء الأحد، أعلن سعيّد انتهاء الاستشارة، قائلا إن "أكثر من نصف مليون شاركوا في الاستشارة الإلكترونية، رغم حملات الازدراء والتشويه والعقبات حتى هذا المساء من قبل أطراف، وتم قطع المشاركة في هذه العملية الفريدة من نوعها من قبل هؤلاء الذين لا يريدون أن يعبر الشعب عن إرادته". وأضاف سعيد أن رمز الهاتف الدولي لتونس 216 تم تغييره ب 212 كما تم قطع المشاركة وقطع الموقع من قبل الذين يقولون إن الشعب لم يشارك في الاستشارة. لكنّ مزاعم سعيد تم تفنيدها من خلال ما ذكره مدير عام تكنولوجيات الاتصال شوقي الشيحي، اليوم الثلاثاء الذي أكد أنّ تغيّر رمز الاتصال الدولي الخاص بتونس من ''216'' إلى ''212'' في الموقع الالكتروني للاستشارة الوطنية، سببه خطأ في الرقن على مستوى النسخة الفرنسية من الموقع. وأضاف في تصريح لإذاعة شمس آف آم، أن ذروة الولوج للموقع للمشاركة في الاستشارة، سجلت يوم الأحد 20 مارس 2022، بين منتصف النهار والثانية بعد الظهر، مؤكدا أنه تم تلافي الضغط لتكمل بوابة الاستشارة عملها إلى حدود منتصف الليل. ومضى سعيّد في أغلاطه، حيث ذكر أن اتفاقية المرسى تمت سنة 1884، لكن المؤرخ محمد ضيف الله علق على الخطأ المعلوماتي للرئيس قائلا في تدوينة :"اتفاقية المرسى تم التوقيع عليها في 8 جوان 1883، وليس في 1884." وعلاوة على أخطاء سعيد في سرد التاريخ فقد عاب عليه البعض كذلك استعانته بآية قرآنية حرّفها. وعلق السياسي والحقوقي عبد الوهاب الهاني على ذلك قائلا" آية جديدة من قرآنه لم ترد في القرآن الكريم: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.. وهيء لنا من أمرنا رشدا." وكتب في تدوينة على صفحته بالفايسبوك:" هي مزج بين آيتين: "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"، من سورة آل عمران، والآية الثَّانية: "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا"، من سورة الكهف، في استشهاد مقروء من جذاذة ورق متناثر بشكل غير سليم من القرآن الكريم، وفي خرق جسيم وغير لائق للفصل الأوَّل من دستور البلاد ولمشاعر العباد..". وقد أثار ظهور الرئيس فجر الاثنين لإلقاء الخطاب، جدلا واسعا نظرا للاختيار السيّء للوقت . وكتب النائب نبيل الحجي "فليعطني أحد تفسيرا أو حتى سابقة لرئيس يتوجه للشعب في منتصف الليل؟ هذه لا تكون إلا في حالة إعلان حرب أو التصدي لغزو". وأضاف النائب أسامة الخليفي، ساخرا "تاريخ تونس كله سيّء، سيكتب لنا تاريخا جديدا بانقلاب واستشارة مزيفة وانهيار اقتصادي. نعم إنه تاريخ جديد ستلعنه الأجيال". وكتب الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي على موقع فيسبوك: "مرة أخرى يفوت قيس سعيد الفرصة لتعديل ساعته على ساعة الناس واختار أن يتوجه لهم بكلمة في عيدهم الوطني وهم نيام. وفوت فرصة الاستلهام من مخزون ذكرى الاستقلال لاستنهاض الهمم والبناء على المشترك بين التونسيين، وخير مجدداً النهل من مفردات التقسيم والتجريح والتخوين ليؤثث بها خطابه الذي كان يرشح بخيبة أمل واضحة من فشل استشارته الإلكترونية التي كان يعتقد أنها ستكون مدخله لإضفاء الشرعية على مشروعه السياسي الخاص". وسجلت على قيس سعيد في عديد التصريحات أخطاء تتعلق بعدم دقة معلوماته عن تاريخ تونس، كما سجلت عليه مغالطات في وصف حجم أنصاره ومعارضيه وفي نقل بعض الأحداث، ما دفع كثيرين عن التساؤل عن ضعف دور مستشاري القصر في إعداد "خرجات" الرئيس وتدخلاته، وفي تقديم النصح لتجاوز الأخطاء الاتصالية. كما أثيرت تساؤلات عن مدى تقبل سعيّد للملاحظات البروتوكولية والاتصالية والانضباط بها، أم أنّه يتعمّد هذه الأخطاء معوّلا على ضعف اطلاع الجمهور الواسع الذي يستهدفه بالخطاب ويسعى للتأثير فيه وتوجيهه؟