رغم التعبئة و رغم الحشد المتواصل و رغم آلة القصف التي ما انفكّت تُهاجمها ليلا نهارا ، استطاعت حركة النهضة أنْ تُحافظ على تصدّرها المشهد التنافسي في المعترك الانتخابي ، و تمكّن الحزب و بشكل استثنائي من تقديم قوائم له في كلّ الدّوائر البلدية (350)،في خطوة اعتبرها عديد المراقبين نجاحا أوليّا قد يعطي انطباعا مبدئيّا عن مآلات الانتخابات البلدية . و يرى الباحث و الاستاذ الجامعي أنور الجمعاوي ، أنّ قوّة حركة النهضة استمدّت من انضباط قياداتها والتزام المنتمين إليها بإنجاح تجربتها في حكم البلاد. كما أنّ فصلها الدّعوي عن السياسي وتبنّيها مشروع مدنية الدّولة..واعتمادها سياسات براغماتية ونهجًا مرنًا في تعاطيها مع قضايا الشأن العام، مكّنها من المحافظة على حضورها الشعبي المتوازن داخل المجتمع. و ربّما تكون الوصفة السريّة التي جعلت حركة النهضة تبقى رقما صامدا رغم محاولات العزل ، هي حرص الحركة على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للحزب ، وصفة لم تقدر باقي الاحزاب على فهمها و بدل ان تحاول صعود سلم السياسة بالمنافسة الشريفة و النزيهة اختارت سبلا و طرقا اخرى لا علاقة لها بفنون السياسة و لا بأبجدياتها. وأكد الأمين العام المساعد لحركة النهضة، علي العريض، لدى اشرافه على اجتماع حزبي لحركة النهضة بجندوبة، على العمل على إنجاح الانتخابات البلدية في تونس قبل الحديث عن نجاح حزبه في هذه الانتخابات ، وأضاف أن هناك عديد الأطراف من الداخل والخارج حاولت افشال الانتخابات البلدية، رافضا تسمية هذه الأطراف، مضيفا بأن الانتخابات ستجرى في وقتها خاصة أننا وصلنا الى المرحلة الاخيرة منها، حسب تعبيره. و ستشكّّل الانتخابات البلدية التي ستخوضها الأحزاب السياسية في ماي القادمْ معيارًا لاكتشاف الوزن الفعلي لبعض الاحزاب الذين احتلّت قياداتهم وسائل الاعلام ، وفيما تنكبُّ جهود الاحزاب الكبرى في التحضير للمعركة الانتخابية اتجهت باقي الاحزاب و تحديدا تلك التي وجدت نفسها خارج الحرب الى اعتماد اسلحة أخرى لا علاقة لها بالمحليات و انما تتعلق بشكل خاص بالعداءات الايديولوجيّة والحقد الأعمى . وبدأت بوادر هذه المعركة تتفاعل بشكل صاخب على وقع تزايد تصريحات قيادات حزبية تونسية و أطراف خارجية تضمّنت تحذيرات مُتتالية من أن فوز حركة النهضة ، مخاوف ترجمها بعض الملاحظين الى ما يُعرف "بالنهضة فوبيا" لكون النهضة و حسب تشخيص المختصين الحزب الوحيد الذي يمتلك مقومات و شروط الحزب السياسي الكامل ، بل الحزب الأكثر حظوظا للفوز في الانتخابات القادمة خاصّة و أنه لم يتورط في مشاكل داخلية و خارجية و حافظ على مسافة أمان بينه و بين بقية الاحزاب وهو ما تفتقده باقي الفصائل الساسية. من جانبه ، صرح المحلل السياسي عبدالله العبيدي ان طبيعة العمل السياسي عموما يقتضي المنافسة ، مستدركا أن الأحزاب في تونس حادت عن المنافسة النزيهة و أضحت استهدافا لأحزاب الائتلاف الحاكم، ممثلا في حركة النهضة والنداء، مما يدل على عجز هذه الأطراف عن إرساء برنامج فعلي و اقتصرت على "التشويه" لاختصار الطريق نحو البلديات، وفق تقديره. و أضاف العبيدي في السياق ذاته ان التجاء اطراف الى تشويه وشيطنة النهضة و ذلك لعجزهم عن اقتراح البديل ، و عجزهم عن تحريك قواعد بالبلاد ، وعن خلق مقاربة شاملة بالبلاد لإخراجها من الأوضاع المتدهورة التي تعيش على وقعها . كما اعتبر العبيدي أن ردة فعل أحزاب المعارضة لا تعتبر "مثلى" ، مشيرا الى انه حتى لو كانت هذه الأحزاب بعينها في الحكم لم تكن لتتمكن من تغيير ما تعيش على وقعه البلاد ، وفق تقديره، مقرا بأن البلاد في الوقت الراهن عاجزة سياسيا ككل.