منذ الثورة التي عرفتها تونس، عملت حركة النهضة على الدّخول في المرحلة التأسيسية الجديدة بخطاب سياسيّ مرن وتشاركي، يعترفُ بجميع الأطراف ولا يقصي أحدًا ويعطي تطمينات حول التزامها بقيم الديمقراطية رغم أن الحركة واجهت منذ ثورة 14 جانفي محاولات كثيرة لإقصائها وعزلها. وخرجت حركة النهضة رغم ذلك من كل محاولات العزل بقناعة مفادها أن المشهد السياسي لن يتّزن في ظل تشرذم الأحزاب وتفرّقها، فالأمر لا يتعلق وفقها بالوصول للسلطة بقدر ما يتعلق بمرحلة النضج السياسي في تونس، مرحلة تجبر الأحزاب الوازنة في البلاد على التّشارك في السلطة وطيّ صفحة الحزب الواحد، إذ لن يكون أيّ حزب قادر على الصمود ضمن الديناميكية الحالية للمشهد السياسي، إلا اذا تمسك بسياسة تشاركية تضع تونس على الطريق الصحيح. وفي هذا السياق، أكد رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، في تصريح إعلامي على هامش زيارة أداها أمس الأحد إلى مدينة مدنين وجولة قام بها في أسواق المدينة أنّ “حركة النهضة تقدّم كل التنازلات وكل ما من شأنه أن يساعد تونس على استكمال ديمقراطيتها وانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وتأكيد دولة القانون، باعتبار هذه العوامل مجتمعة تشكل منطلقا لحل كل المشاكل”، مشددا على أن “تونس في حاجة اليوم إلى التوافق، لأنه لا وجود لحزب قادرا على أن يحكم بمفرده، سواء النهضة أو غيرها من الأحزاب”. وأضاف في هذا الصدد أن حركته “تبحث عن أوسع التحالفات ولا مشكل لديها في التحالف مع حركة نداء تونس أو تحيا تونس أو أي طرف سياسي مُعترف به”، مؤكدا أن النهضة “مستعدة وراغبة في التعاون مع الجميع وترى من مصلحة التوافق أن يبقى نداء تونس حليفا لها كما كان”. وأصبحت حركة النهضة بفضل سياسات التشاركية التي اتخذتها، جزءا أساسيا من المشهد السياسي التونسي، فهي على خلاف بعض الأحزاب الأخرى التي تشكلت بناء على مصالح ايديولوجية ظرفية وأحيانا متناقضة، تمكنت من الحفاظ على تماسك بيتها الداخلي، بالرغم من التحديات التي واجهتها خلال السنوات الأخيرة. ولا يستبعد خبراء في الشأن السياسي أن يكون راشد الغنوشي حاول ومن خلال هذا التصريح رسم الخطوط العريضة للمستقبل القريب ومعالم التوافق بعد الانتخابات. وعلى المدى البعيد تطمح النهضة لاتباع ما تسميه بالتحالف التوافقي تجنبا لانفرادها بالحكم، حيث ترى الحركة أن المصلحة الوطنية تقتضي تشارك الجميع، خصوصا الأحزاب التي نجحت في تجاوز اختبار صندوق الاقتراع بنتائج تؤهلها لاعتلاء مركز السلطة، ولا تستبعد حركة النهضة في هذا الإطار إمكانية التحالف مع شريكها الحالي في الحكم نداء تونس أو حزب تحيا تونس، الحزب المحسوب على رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد التي تحظى حكومته بدعم حركة النهضة، كما لا يستبعد هذا التصريح توافقا ثلاثيا، من خلال الحديث على المحافظة على التوافق مع نداء تونس. ولاحظ راشد الغنوشي أن “الوضع في تونس هو الأفضل في العالم العربي الذي تشتعل فيه النيران، بداية من دول الجوار ووصولا إلى سوريا والعراق”، مبيّنا أن ما تعيشه البلاد من اختلافات، ستجد طريقها إلى الحل، بالوسائل السلمية وفي ذلك يكمن الاستثناء التونسي الذي يشهد حالة ديمقراطية فريدة من نوعها في المنطقة العربية”. وسيكون الاستحقاق الانتخابي القادم، الرابع في تاريخ تونس بعد ثورة 14 جانفي، حيث يُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة في الدول العربية التي شهدت موجة ثورات “الربيع العربي”، أواخر 2010. واعتبر رئيس حركة النهضة أن الانتخابات المقبلة ستحسم الخلاف في تونس، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي ترجّح كفة حزبه في الانتخابات. وكشف استطلاع للرأي اجرته مؤسسة “امرود كونسلتينغ” مع دار الصباح، تمّ إجراؤه شهر فيفري الماضي، عن تصدر حركة النهضة في نوايا التصويت للانتخابات التشريعية المقبلة بنسبة 18.80 بالمائة و يليها حزب نداء تونس بنسبة 9.80 بالمائة. وحددت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، 6 أكتوبر القادم، موعدا للانتخابات التشريعية، و10 نوفمبر القادم، موعدا للانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى.