عرفت تونس بعد ثورة 14 جانفي، تنامي الحركات الاحتجاجية والاجتماعية، الّتي اختلفت مطالبها مابين ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي، وتنوعت خلفيات هذه التحركات بين المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية ومحاربة الفقر والبطالة وتحسين ظروف المتقاعدين والترفيع في الأجور وغير ذلك من المطالب. وازدادت مع الوقت وتيرة تلك الاحتجاجات المرافقة لارتفاع اسعار المواد الاساسية وتدهور القدرة الشرائية، واختلفت التقييمات في دراسة هذه التحركات بين من يعتبرها شرعية و مهمّة لتأكيد المصالح والدفاع عنها في ظلّ سياسة معاصرة تؤمن بالتحركات الاجتماعية في ظلّ نظام الديمقراطي وبين من يعتبر أن بعض المطالب تعجيزية والهدف منها ليّ ذراع الحكومة وعرقلة إصلاحاتها، فما إن تنتهي الحكومة من مشكلة حتى تجد نفسها أمام مشكلة لا تقل عن الأولى أهمية، في وضع شبيه “بإطفاء الحرائق”،إذ لا تكاد حكومة يوسف الشاهد تنتهي من إطفاء نار حتّى تستعر أخرى و ما إن تنتهي من حلّ مشكلة حتّى تنبثق أخرى وبين هذا و ذاك وجدت الحكومة نفسها في سباق مع الزّمن، في فترة هي الاصعب في سنة 2019 من حيث تعدد المشاكل و تواترها. وارتفع نسق التحركات الاجتماعية والاحتجاجية التي تكاد تمس وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية اغلب الفئات الاجتماعية والقطاعات، و تبين الاحصائيات التى افاد بها المنتدى انه منذ 8 افريل الى 14 افريل تم تسجيل 90 تحركا احتجاجيا تتوزع بين وقفات احتجاجية وغلق للطرقات واعتصامات للمعطلين عن العمل وعمال الحضائر بسبب غلاء المعيشة وتردي الوضع الصحي. وسجل المنتدى يومي 15 و16 افريل الجاري حوالي 30 تحركا احتجاجيا ابرزه الذي نفذه قطاع النقل الخاص بالنسبة لسائقي سيارات التاكسي الفردي واللواج يوم 15 افريل الجاري رفضا للزيادة الاخيرة في سعر المحروقات الى جانب الاضراب العام بسيدى بوعلي. وعرفت ولاية بنزرت الاثنين الماضي شللا تاما في حركة النقل، بعد أن أغلق أصحاب وسواق سيارات اللواج، الطرقات ومنافذ الجهة والجسر المتحرك احتجاجا على الترفيع في أسعار المحروقات. من جهة أخرى، دخل أعوان مؤسسات الضمان الاجتماعي في إضرابا عن العمل، وذلك احتجاجا على عدم استجابة السلط المعنية لمطالبهم الواردة باللائحة المهنية. من جانبها، أعلنت شركة الخطوط الجوية التونسية السبت الماضي تسجيل اضطرابات في برمجة رحلاتها بسبب تحركات احتجاجية مفاجئة للطيارين، الذين يطالبون بالترفيع في أجورهم، إلى مبلغ وصفه مسؤولون بالتعجيزي. كلّ ذلك إلى جانب تحركات المعطلين عن العمل والاساتذة الجامعيين والطلبة والفلاحين والبحارة وعمال الحضائر، كما أفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان هذه التحركات كانت ايضا للمطالبة بالحق في الماء والصحة وتحسين المرافق العمومية والتشغيل والتنمية والبيئة السليمة من ذلك تحركات منوبة وبئر بن خليفة والقيروان والسند ومللوش وجندوبة والقصرين.. ويتداخل السياسي بالاقتصادي والاجتماعي في التحركات الاحتجاجية وسط تحذيرات من بثّ البلبلة والفوضى وتقويض التجربة الانتقالية في تونس، خصوصا أنّ جزءا من هذه الاحتجاجات يقودها وبحسب مراقبين اطراف سياسية هدفها إدخال البلاد في دوامة من الفوضى مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية.