شهد العالم عموما والبلاد التونسية على وجه الخصوص أحداثا استثنائية غيرت مجرى التاريخ وحفرت في الأذهان تواريخ لا تمحى “الثورة والانتقال الديمقراطي.. الوباء.. الفيضانات.. الإرهاب..”. أحداث عدلت ساعتها العشرية الأخيرة واجتاحت البلاد على حين غرة ولم تترك المجال للتدرب على مجاراة إكراهات الواقع. لم تكن أحداث متوقعة ولا منتظرة كما أن نسب التنبؤ بها تكاد تكون معدومة.. تسارعت بنسق كبير أسرع مما يمكن للعقل استيعابه لكن التأقلم يبقى ميزة التونسي أمام التغيرات التي تطرأ عليه. “في عشرين سنة عايشت أحداثا تستوجب التعمير لمعاصرتها”.. “بالأحداث التي عايشتها أشعر أني اخلد في الأرض..”.. “في الستين سنة التي سأعيشها انقلبت الدنيا رأسا على عقب”.. تواتر الأحداث في فترة زمنية قصيرة، جعلها محل تندر من رواد المواقع الاجتماعية الذين احتجوا مازحين على مباغتة أحداث كبرى لفترة عيشهم بالذات. ويعي التونسيون جيدا أن الأحداث المذكورة طوارئ قد يعيشها الفرد لمرة وحيدة في حياته، فتاريخ الأوبئة والثورات يثبتان أن أحداثا مماثلة يصعب تكرارها قبل مرور قرن أو أكثر. وباء كورونا كورونا ضيف ثقيل الظل، حل بالبلاد منذ الثاني من شهر مارس الفارط “وفق بلاغ وزارة الصحة”.. فيروس حصد الآلاف من الأرواح وأصاب الملايين منذ ظهوره لأول مرة في الصين فصنف على أنه وباء عالمي خطير وقد عجزت أعتى الدول على احتواء مصابيه في المستشفيات أو الحد من انتشاره وفي ظل عدم التوصل إلى لقاح مضاد له تم التوافق على أن التباعد الاجتماعي هو السلاح الوحيد لمحاربته وللتخفيف من وطأته. وباجتياح هذا الوباء لبلادنا دفع الفضول بالتونسيين إلى الاطلاع على تاريخ الأوبئة في البلاد. عاشت تونس في القرنين الثامن والتاسع عشر على وقع انتشار وباءين صنّفا الأشد فتكا في تاريخها وهما الطاعون والكوليرا ، طاعون (1784-1785) حصد أرواح مئات الآلاف من سكان البلاد وقد استشرى بالبلاد خلال عودة حجاج عبر ميناء الإسكندرية، علما وأن هذا الوباء زار تونس في العديد من المحطات وكان يختفي لسنوات ثم يعود للظهور ثانية. وباء الكوليرا حصد بدوره زهاء 6 آلاف شخصية وفق إحصائيات معتمدة وقد ظهر الوباء أول مرة في البلاد سنة 1849 وامتد لسنة كاملة بمعدل 100 وفاة في اليوم الواحد وبعد اندثاره عاد للظهور ثانية سنة 1856. الإرهاب “تنظيم إرهابي.. اشتباكات مسلحة.. انفجار لغم.. كمين.. انتحاري فجر نفسه.. استهداف دورية أمنية.. ذبح.. ذئاب منفردة..” انتبه التونسيون في السنوات الأخيرة دخيلة على الواقع المحلّي، وقد عاشوا إثر حدث الثورة على وقع عمليات إرهابية تسارعت وتيرتها فلا يكاد يمر شهر أو أسبوع إلا وتذاع أخبار حول تنفيذ هجمات دموية بمرتفعات الجبال أين يتحصن الإرهابيون وسرعان ما انتقل دوي الرصاص وصوت التفجير والملاحقات الأمنية إلى العاصمة. ويعد الإرهاب من بين الأحداث الاستثنائية التي ألقت بظلالها على البلاد خلال العشرية الأخيرة فبتاريخ 18 ماي 2011 سجلت تونس اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن والجيش وإرهابيين بمدينة الروحية كانت فاتحة لمعارك أخرى أكثر دموية امتدت لسنوات. وشهد التونسيون في سنة واحدة اغتيالين سياسيين. وتجدر الإشارة إلى أن تونس عاشت خلال القرن الواحد والعشرين عل وقع عمليتين إرهابيتين الأولى بمدينة جربة سنة 2002 والثانية بسليمان سنة 2007. الفيضانات خلال سنة 2018 شهدت مدينة نابل أمطارا طوفانية تبعتها فيضانات خلفت خسائر بشرية ومادية فادحة فقد أودت السيول الجارفة بحياة العديد من التونسيين كما تسببت في أضرار كبرى للبنايات والطرقات استوجبت تخصيص الدولة 100 مليار لإصلاح البنية التحتية والمنازل المتضررة كما استوجبت حينها تعليق الدروس والعمل بالمناطق المنكوبة. وقد أكد رئيس الحكومة حينها يوسف الشاهد أن الأمطار التي سجلتها ولاية نابل غير مسبوقة ولم تسجلها تونس منذ 100 سنة وأنه لا تجوز مقارنتها بفيضانات سنتي 1986 و1990. الثورة لعل الأحداث الاستثنائية التي أتينا عليها في هذا التقرير موصولة بما يحدث في العالم لكن اندلاع ثورة (17 ديسمبر 14 جانفي) هي نسخة تونسية بامتياز امتدّ تأثيرها للعالم العربي فيما بعد على غرار مصر وليبيا والجزائر. ويعتبر اندلاع الثورة التونسية صناعة للتاريخ، فقبل الثورة وما بعد الثورة، أصبح بمثابة السلم الزمني الذي يعتمده التونسيون في تقييم جميع المجالات. وكسابقاتها فإن الثورة التونسية أطلت على الشعب التونسي في العشرية الأخيرة وكانت بمثابة الحدث الاستثنائي الرئيسي الذي ولدت من رحمه أحداث أخرى لم تكن لترى النور دونه. ثورة علي بن غذاهم “1864 ” ثورة الفلاحين “1902” ثورة التحرير “1938” انتفاضة العمال “1978” أحداث الخبز ” 1984″ انتفاضة الحوض المنجمي “2008” وغيرهم ثورات على أهميتها في تغيير مجرى التاريخ والانتصار لحقوق الشعب جبائية بالأساس فيما اندلعت ثورة الرابع عشر من جانفي من أجل الكرامة.