أن نعارض لا يعني أن نقول ونكتب ما يخطر بالنفس بصورة انفعالية وعشوائية لأن من شأن ذلك أن يجعل صاحب هذا النهج المعارض في موقع الاسفاف والتعميم واطلاق الأحكام جزافا وبلا سند حقيقي في الواقع مما يفقده المصداقية ويجعل الناس تتفرق من حوله. واذا تجرأ أي شخص على التطاول على التجمع الدستوري الديمقراطي فيجب أن يكون في مستوى معرفي معين أي عال جدا حتى يكون مؤهلا لفهم واستيعاب عمق وشمولية وبعد نظر مرجعياته وأدبياته ومسيرته الوطنية الزاخرة بالانجازات والامجاد والبطولات والمرتبطة عضويا بتاريخ تونس المعاصر وبمسارات تحررها وتقدمها. ومن يتعمق في قراءة الارث الفكري والسياسي والوطني والتنموي لهذا الحزب وريث حركة الاصلاح والتحديث التونسية منذ أيام الوزير المصلح خير الدين باشا مرورا بنشاطات جماعة جريدة «الحاضرة» بقيادة البشير صفر وجماعة جريدة «التونسي» من زعماء حركة الشباب التونسي وضمنهم علي باش حامبة والشيخ المصلح عبد العزيز الثعالبي مؤسس حزب الدستور وبعده الزعيم الحبيب بورقيبة وجماعته... جماعة جريدة «العمل التونسي» التي أسست لطور نضالي جديد صلب حزب الدستور بما أهله لقيادة الحركة الوطنية بكامل النجاعة وفي كنف الالتفاف الشعبي المطلق وهو الحزب الذي ائتمنه الرئيس زين العابدين بن علي على مشروعه الوطني الشامل من خلال قيادته للتحول الديمقراطي واستكمال برنامج التحديث. ... من يتعمق في هذا الارث بتواصل حلقاته وتطور مناهجه وبرامجه وأدواته في ضوء خصوصيات كل عصر وكل مرحلة منه يدرك أن الانتشار والاشعاع وكسب الانصار وتكوين المناضلين الاكفاء وبناء الاجيال الوطنية المناضلة لم يأت من فراغ ولم يكن وليد سنوات بل كان نتاج عقود طويلة من التضحيات والآلام والعذاب والمثابرة والاجتهاد حملت امضاء هذا الحزب العريق الذي أرسى أسس الدولة المستقلة والحديثة التي ينعم كل تونسي وحيثما وجد بمكاسبها والذي صاغ نمط حياتنا الراهنة بما فيها من انفتاح وسلم واستقرار واعتدال وتفاعل مع روح التطور والذي وضع أيضا الدستور والقوانين والتشريعات المتطورة ومؤسساتها. من هنا يصبح من المنطقي جدا أن نرى التفافا شعبيا واسعا ودائما حول حزب «جرب فصح» كما يقال... حزب ضامن للحرية والاستقلال والكرامة والعدالة والتطور... فالشعب التونسي يثق في الحزب الذي وفر له سبل التعلم والنجاح المستقبلي آخذا بيده على دروب الرقي والازدهار والوحدة الوطنية وهو شعب مثقف ومسؤول يترجم التفافه الكبير حول التجمع ورئيسه وبرامجه وخياراته وعيا حرا وسليما ومراهنة على السياسة البراغماتية الناجعة والانسانية المرهفة التي تحرك هذا الحزب الطلائعي دوما بشهادة المنجز والتاريخ. أما الحديث عن «الهيمنة» فإنه يتنزل في اطار القصور الفكري واللغوي ذلك أن الانتشار السياسي والتجذر الحزبي في كل الاوساط والجهات والمجالات لا يعد هيمنة لانه عبارة عن نوع راق من الارتباط الفكري والتاريخي والعاطفي بين شعب حر وحزب ريادي عرف كيف يندمج في حركة التاريخ ويتفاعل مع حاجيات وتطلعات مواطني بلده ويرسم لهم أرقى وأضمن وأسلم طرق العيش الكريم وسبل المناعة الدائمة. كما يجب أن نفرق بين المعارضة الوطنية التي تنبني على طرح البديل السياسي وما يتطلبه ذلك من جهد فكري واعلامي وتعبوي في سبيل بلورة برنامج مترابط وعملي ومجد ومقارعة الحجة بالحجة وشق الطريق في عالم الافكار من أجل بلوغ هدف الاقناع والتأثير وكسب المتعاطفين والانصار وحملهم على الانخراط في البديل السياسي المطروح وبين التطاول من خواء وقصور والدس والكذب والثرثرة السياسية التي لا طائل منها سوى تقمص شخصية المعارض بدافع الاضطراب النفسي لاثبات الذات على نحو مهلهل ومضحك معكوس ولتحقيق مآرب مادية شخصية شحيحة مثل شح أفكار صاحبها. وفي الواقع لا يتحدث عن «الهيمنة» إلا من يحركه مركب النقص أمام الاطارات والكفاءات الناجحة والفخورة بوطنها وبانجازات حزبها وبدورها الفاعل في كل ما ينجز لفائدة المجموعة الوطنية. ومنذ تحول السابع من نوفمبر الذي أعاد تنظيم المجتمع التونسي على أساس الوفاق الوطني والمشاركة الحرة المسؤولة والواسعة بادر التجمع وانطلاقا من لوائح مؤتمر الانقاذ الى تكريس استقلالية الجمعيات والمنظمات ونشر ثقافة احترام هذه الاستقلالية لكنه في المقابل حرص على «توثيق عرى التعاون والتكامل معها خدمة للمصلحة العليا للوطن» (لوائح مؤتمر الانقاذ 29 30 31 جويلية 1988). وتواصلت التوجهات الرائدة لتطوير الحياة الجمعياتية عبر فسح المجال لحرية إنشاء الجمعيات وتكريس المواطنة ودعم وظائف النسيج الجمعياتي وانخراط كل الشرائح فيه خاصة الشباب والمرأة والنخب وأبناء تونس في الخارج. ولأن الرابطة التاريخية والفكرية تظل متينة بين التجمع والمنظمات والجمعيات التونسية وبالنظر الى جماهيرية هذا الحزب العتيد واستقطابه للكفاءات من مختلف المشارب والميادين كان لا بدّ من تشجيع مناضلي التجمع على الانخراط في الحياة الجمعياتية وحثهم على البذل والتطوع و«تكوينهم في هذا المجال واعتبار نجاحهم في الحياة الجمعياتية جزءا من نجاحهم في النضال التجمعي بصفة عامة» (لوائح مؤتمر المثابرة 29 30 31 جويلية 1993). وانطلاقا من وعيه الوطني الحاد كان التجمع سبّاقا الى الاضطلاع بدوره كاملا في حماية البلاد وتأمين سلامة المسار الوطني ومناعة المجتمع التونسي ومكوناته وهياكله المدنية من كافة أشكال التطرف أو الانحراف بها عن أهدافها وتوظيفها لمصالح شخصية وحسابات منفعية ضيّقة تعرض البلاد للخطر. هكذا تنتفي في النشاط الجمعياتي الألوان الحزبية لتحضر الروح الوطنية العالية وتشحذ العزائم على التفاني والتضحية في ضوء النظام الخاص لكل هيكل وفي اطار المسؤولية إزاء الوطن ذلك أن نجاح عمل الجمعيات والمنظمات الوطنية مرتهن بالحضور النضالي الذي يعكس التركيبة الصحيحة للمجتمع التونسي وبحماية مكونات المجتمع المدني من الاقصاء والاحتكار والاحتواء والانزلاق بها باسم الاستقلالية الى مستوى النيل من صورة تقدم الوطن واستقراره وخرق قوانينه والقفز على مقتضيات الأنظمة الداخلية لهذه الفضاءات الجمعياتية المحتجزة بأيادي أنفار لا يراعون للوطن حرمة ولحقيقة الواقع ذمة. وفي ضوء هذه الرؤية المتبصرة يعود الحديث عن «الهيمنة» في حالة العجز عن الانخراط الايجابي في نظام الأفكار الوطنية وجهود العمل الوطني الى ضرب من ضروب هشاشة التفكير وانفصام الطرح الناجم عن استحواذ مركب الجهل والقصور على صاحبه الذي يؤثر ومن هم على شاكلته مصلحته العابرة على مصلحة الوطن الدائمة.