تمخّض اجتماع قرطاج فولد... تأجيلا. التأجيل في السياسة اعتراف بالفشل، ولا شك ان المجتمعين الستّة تحت إشراف رئيس الجمهورية باجي قائد السبسي، والذين يمثلون التشكيلات السياسيةو الاقتصادية والاجتماعية الأهم في البلاد، قد فشلوا في هذه المقاربة الأولى الرامية إلى درء الصدع وتقريب وجهات النظر حتى يقع تجاوز إحدى أخطر الأزمات السياسية التي عرفتها تونس منذ قيام الثورة. فالواضح ان النّخبة السياسية، وليس فقط من اجتمعوا في قرطاج أمس، غير مقدّرين كامل التقدير للوضع النفسي لعموم التونسيين ولتفشّي الشكوك وفقدان الأمل في المجتمع ولإحساس الخيبة التي تتملكهم إزاء السياسيين. أي ديمقراطية يمكن أن نبنيها بهذه النفسية المحبطة الفاقدة للثقة؟ وكيف يمكن أن نحقق الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لإعطاء معنى وجوهر لمشروعنا الجديد والفاعلون السياسيون يتصارعون فيما بينهم؟ كل يوم يمرّ دون حل هذه الأزمة يزيدها سوءا وتفاقما ويُنهك رجالات الدولة ويضعف مؤسساتها ويعطل مسيرة الوطن كله في هذا الزمن الذي تُقاس فيه وحدات التقدّم بالأيام وبالأسابيع وليس بالأشهر والأعوام. فأي شخص يمكن ان يخبرنا إلى أين تسير تونس؟ لا أحد. لأن رئيس الجمهورية صلاحياته محدودة. لأن رئيس الحكومة الذي يمتلك الصلاحيات لا سند له ولا عون. بل أكثر من ذلك فهو مطالب بالرحيل. مِنْ مَنْ؟ من الندائيين الذين من المفروض أن يقفوا إلى جانبه ويدعموه. من يدعمه إذن؟ النهضة التي لا ترى جدوى في تغييره مادامت نفس العراقيل التي عطّلت نجاح سابقيه باقية. ثم هل فشل فعلا يوسف الشاهد؟ الآراء تختلف لكن المشكل أنها ليست دائما موضوعيّة وتنطوي على قدر كبير من المزاجيّة والأهداف الخفية. في هذه الدوّامة المستمرّة منذ أشهر يتحرّك رئيس الجمهورية وهو يعلم أنه لم يعد يمتلك غير سلاح الحوار والتوافق بعد فقدان السلاح الدستوري والقانوني. لكن وأمام تعنّت الأطراف المكونة للشقين المتعارضين، واحد يدعم بقاء الشاهد والآخر يطالب برحيله، يحتاج الرئيس قائد السبسي إلى كل قوة شخصيته وكريزمته وحكمته لتحقيق توافق أخير يُبقي على الشاهد مع تغيير عميق في حكومته التي يجب أن تكون أقل عددا وتكون مُركّزة حول أقطاب ثلاثة: قطب اقتصادي، وقطب اجتماعي، وقطب تربوي يسيّرها وزراء يُشهد لهم بالقدرة والكفاءة. هل يوجد سيناريو آخر ممكن؟ لا نظن. التوافق إذن هو الحل الوحيد ولكن ماذا ستكون كلفته بالنسبة ليوسف الشاهد؟ ذلك هو السؤال. لكن هناك سؤال آخر لا يقل أهمية، بل هو الأهمّ إطلاقا ويبقى مطروحا في كل الحالات: أي مستقبل لتوافق متوقّف على إرادة زعيمين شيخين يتصرفان حسب ما تمليه عليهما مصالحهما الظرفية؟ أليس الحل في إعادة النظر في أحكام دستورية ونظام انتخابي اتضح نهائيا أنه السبب الحقيقي للأزمة السياسية الراهنة وكل الأزمات الآتية؟