«كان نابغة ريفيا خالصا... كان خلاصة أعمار اسبانيا وعمودها صفوة الازدهار الشعبي... نتاجا عربيا أندلسيا نيير ويفوح من أيكة ياسمين على مسرح اسبانيا... كان كل هذا..». هكذا رثا بابلو نيرودا رفيق دربه في الشعر والنضال لوركا بعد اغتياله يوم 19 أوت 1936 من قبل الدكتاتورية الفاشية الاسبانية في احدى ضواحي غرناطة فرثاه نيرودا بقصيدة هي عبارة عن عاصفة من الغضب الشديد... نقم فيها على كل شيء، فقد موته المفاجئ وهو في تلك السن وفي أوج العطاء لقد أضاعت اسبانيا بهذا الاغتيال شاعرها الفذ وضيعت منه الابداع والأدب وحرمت نفسها نتاجا يزيدها شهرة في فسيفساء الأدب العالمي. لوركا سيظل علامة بارزة وظاهرة متفردة في الشعر العالمي المعاصر باعتباره واحدا من العمالقة الذين أثروا التجربة الشعرية ليست في بلاده اسبانيا فحسب ولكن على المستوى العالمي وذلك من خلال ارتباطه بالبيئة والأرض واستيعابه الواعي لتراثها الى جانب الحبّ الجارف والهيام الذي لا حدود له للحرية. كان للوركا موقفه المستقل، لقد كان المعبر الصادق عن القرن الذي يعيشه والذي يقف منه موقف المتمرد كما كان أهم ما يميّز الشاعر الغرناطي انه يرى في نفسه تلميذا مجتهدا في مدرسة الشعر الشعبي الاسباني مخلصا لها كما استوعب تاريخ بلاده والمواقف الحاسمة فيه ذلك ان جنوباسبانيا وهو أحد أبنائه يمتلك ثروة جمالية رائعة تشكل شبح الأدب الشعبي ورؤاه. لقد ترك لوركا أثرا عميقا في الثقافة الاسبانية عموما والعربية خصوصا باعتباره أحد النماذج الفذة للالتزام بالقضايا الاسبانية. إنه عندليب الأندلس وقيثارة غرناطة الذي حنقت الفاشية صوته الحرّ، لكن شعره مازال خالدا على مرّ العصور. من قصائد لوركا نقرأ: أتجوّل في درب المساء بين أزهار الحقل تاركا فوق الطريق مياه حزني وفوق الجبل الوحيد مقبرة البلد تبدو كأنها حقل مزروع ببذور الجماجم ونقرأ ايضا: قبلتي كانت رمانة عميقة ومفتوحة وثغرك كان وردة من ورق عمق المشهد حقل في الثلج