لم يدفعني الى كتابة هذا المقال فقط المتعصّبون للتنظيمات الإخوانية، وإنما أيضا بعض النخب والقيادات "العلمانية"( صاحبة الزعامة مدى الحياة!). ويبدو أنها تتزلّف عساها أن تظفر بتزكية انتخابية للرئاسة أو برئاسة حكومة..لقد صار كل شيء "بيعا وشراء" حتى المبادئ والمواقف والآراء!... لو نعود الى الفترة التي سبقت الانقلاب المزعوم،فما الذي كان يجري بمصر؟.. يقال أن الجنرال السيسي وكان حينها وزيرا للدفاع ،اقترح على الرئيس الإخواني مرسي إجراء إستفتاء لتهدئة الإحتجاجات والمناوشات المنذرة بالحرب الأهلية.فكان جواب مرسي:نحن باقون لخمسمئة سنة! إن مثل هذا الجواب كان كفيلا بعزله وايقافه الفوري! الإخوان بمصر خلال حكمهم لم تكن تعنيهم التنمية ولا التشغيل ولا الصحة ولا حتى نظافة المدن،فكل ما يعنيهم هو"التمكين" لهم ولغيرهم من الفروع بجميع الأقطار حتى وإن اقتضى الاستقواء بالأجنبي والتقتيل والتدمير!..خلال حكمهم إستشرى الأمن الموازي والتكفير وهدم المعالم التراثية بما فيها الدينية الإسلامية والقتل على الهوية ومنهم خاصة الأقباط .ولكن الذي افاض الكأس وأجج الشارع المصري بالملايين كان الإعلان الدستوري الذي يسمح لمرسي بالحكم المطلق .أما سياستهم الخارجة فاختزلوها في التآمر على الأشقاء وفي التذلل للأمريكان بإسترضاء اسرائيل ( راجع رسالة مرسي السرية الى شمعون بيريز بتاريخ 18 أكتوبر 2012 ). التنظيمات الإخوانية شديدة الترابط وتعمل بتناسق وتشاورعلى زعزعة الأقطار العربية لإقامة دولتهم المزعومة" دولة الخلافة" ( انظر الفيديو: لطفي زيتون يتوعد التونسيين بالاحتلال المصري)!فالإخوان بتونس ومنذ الثلاثية الأولى لحكمهم جعلوا نصب أعينهم دعم كل الحركات"الجهادية"( طبعا بإستثناء حزب الله المغضوب عليه من الأمريكان والصهاينة!! ) ففي أواخرفيفري 2012 استضافوا ما يسمى مؤتمراصدقاء سوريا وكانوا على ارتباط بقطر وبقناة الجزيرة قائدة "الربيع العربي" ( طبعا بعد الثورة العفوية البريئة بتونس).ولقد شهد على هذا الصحفي بن جدّو الذي استقال متعلّلا بأن الجزيرة تجاوزت العمل الصحفي وصارت "غرفة عمليات" كما قال هو.وبالفعل، فمنذ أشهر تم تسريب فيديو فيه يعترف حمد بن جاسم وزير خارجية قطر الأسبق باستهداف سوريا حيث يقول:نحن كلنا "تهاوشنا" على سوريا لاسترضاء أمريكاوقطر لم تكن الوحيدة !!!.. ومعلوم ايضا مؤتمراعلان النفير بمصر صائفة 2013 بمزاعم مناصرة "الثورة السورية" كان هدفه تجييش ما أمكن من شباب إرهابي أو مغفَّل، وقد استجاب إليه حينهاعشرات الآلاف ومن ضمنهم آلاف من شباب تونس.ويبدو ان الغنوشي شارك في ذلك المؤتمر الضال ضمن اكثر من مئة من "العلماء"وهنا نذكر بأن الندوة الصحفية الشهيرة التي عقدها مفتي تونس كانت ردا شجاعا وفوريا على ذلك المؤتمر الشيطاني .وطبعا تم عزله الفوري،متعلّلين بأنهم تنبّهوا الى أنه كان "تجمّعيا" ..بعد14شهرا من حكمهم! أما هو فقد صرح لاحقا خلال محاورة صحفية قائلا : لقد دفعت ثمن موقفي من الجهاد في سوريا وأنا لا تهمني المناصب...انظر الفيديو : مفتي الجمهورية الجهاد في سوريا ليس جهادا) الذين يروجون لمقولة "الإنقلاب المصري" إنما يستهينون بتلك المظاهرات التي ربما لم يشهد لها التاريخ مثيلا .فعنها قال الرئيس المعزول مبارك : الذين خرجوا على مرسي اكثر بكثير من الذين خرجوا علي..وشهادة مبارك ليست استثناء فيوجد بمصر حتى من نزهاء الإخوان أنفسهم ناهيك عن علماء الأزهر الذين كانوا في مقدمة المحتجين.بل إن الغنوشي نفسه شهد على ظلمهم وفظاظتهم ،فحين سألوه عن امكانية تكرار السيناريو المصري بتونس،وكانت تونس هي ايضا تشهد احتجاجات الرحيل إثر نهاية "سنة واحدة لكتابة الدستور" ثم اشتدت الاحتجاجات بعد تفشي الإرهاب وخاصة باغتيال شكري بالعيد ثم الحاج البراهمي) استبعد الغنوشي ذلك متعللا بمرونة حركته(راجعوا تصريحه لجريدة الشرق الأوسط، الخميس 4 جويلية 2013)... الإخوان وفي كل مكان يتعاملون بإزدواجية معايير عجيبة!! ففي نظرهم الرئيس السوداني عمر البشير غير انقلابي وإنما "وصل بانتخابات ديمقراطية" !!أما تدخل الناتو في ليبيا فهو "ثورة شعبية" ( هو وبأتم معنى الكلمة انقلاب عسكري من الخارج! .. وقد اقر بهذا حتى ساركوزي وبرلسكوني وحتى أوباما ..) وإن أكبر دليل على أنها لم تكن ثورة شعب فالجماعة الذين أوصلهم الناتو الى السلطة خسروا بشكل فادح الانتخابات صائفة 2014 وكانت متزامنة تقريبا مع الانتخابات المصرية .حصلوا فقط على 23 مقعد امن بين 188!! فأعلنوا تمردهم المسلح على"الصندوق" مما أدى الى انشقاق ليبيا الى رأسين : البرلمان ومكانه طبرق، أما بطرابلس فبقي المؤتمرالمدعوم بالإخوان المسلحين ولم يتنازل( ونذكّر هنا بنصيحة الغنوشي منذ حوالي سنتين للرئيس الباجي نصحه بأن يضع اليد في اليد مع إخوان ليبيا!.."لمقاومة الإرهاب" حسب زعمه !) إذا راجعنا مسار الأحداث بمصر يتبين بوضوح أن الجيش المصري لم يمسك بالسلطة وانما عزل مرسي ،فانتقلت السلطة كما يقتضي الدستور الى رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور قرابة السنة .أما المشير السيسي فلم يحكم إلا بعد فوزه الإنتخابي (ولم يكن بنسبة 99.99 % وإنما كان بنسبة عادية معقولة :24مليونا من ضمن 54 مليون ناخب) فاين الإنقلاب إذن؟!! ان هذا شبيه بما حدث بتونس قبل انتخابات2011 حيث تولى الجيش امن البلاد وترك منصب الرئاسة لمن تخوله فصول الدستور في انتظار انتخابات 2011.. ولنفترض الذي حدث بمصر كان "انقلابا"،فهل بقي اليوم من مبرر معقول لزعزعة مصر وتعدادها حوالي14 مرة ليبيا التي ارهابها دوّخ كامل المنطقة!؟؟ ومن ناحية ثانية هل بقي اليوم للإخوان من سمعة ومن شعبية تمكنهم من حكم مصر!؟ ختاما وهذا موجه الى الإخوان "المسلمين": ألم يقل حكماء السلف الصالح: سلطانٌ غشوم خير من فتنة تدوم! لا سيما وأن هذه المقولة "السلفية"ما زالت سارية المفعول حتى بأكثر البلدان الغربية عراقة وديمقراطية.ففي كل البلدان حتى الغربية أكدت الأحداث أنهم يضعون الديمقراطية بمزلة أقل بكثير من الأمن والإستقرار والمصلحة بصفة عامة. ويكفي فقط أن نذكّر بما حدث ببريطانيا منذ سنوات قريبة خلال القلاقل التي استوجبت الحزم المفرط ،فبرّر رئيس وزرائها ذلك بقوله : أمن الوطن أهم من الديمقراطية!