تحجّرت الدموع في عينيها فصارت سهاما من نار، تحدّق في جندي محتل مائع، تراجع وتبوّل رعبا وخوفا تقهقر إلى الوراء، تزأر الشبلة «الوطن وطني، والأرض أرضي، والبحر بحري، والسماء سمائي، والنجوم مسجلة في دفاتر أجدادي، تراب وطني وطأته حوافر خيول قبيلتي وعشيرتي، وصلاح الدين تصبب عرقه على رمال أرضي، وسالت دماء شهدائنا في الأودية، فمن أنت؟ من تكون؟ من أسكنك أرضي؟ من سلمك بحري؟ من باعك وطني؟ غضب المائع المتبوّل وهو يتلوى، وبفيلقه استنجد، فالشبلة مقاتلة شرسة صعبة المراس، زمجرة الشبلة الشهباء وعلى عدوها انقضت وبالكف اقتصرت، صاح المحتل وبالكف اكتوى فبكى ولزملائه اشتكى. تأسف الجميع لحاله وخففوا عليه وبالثأر وعدوه، فكيف لشبلة صغيرة أن تصفع محتلا متجبرا احتارت فيه دول المعمورة واستسلمت لبطشه وانحازت، كيف لشبلة صغيرة شقراء جميلة أن تصفع ظالما متكبرا معه أخ العرب تصافح وللسلم طلب وللاحتلال ما غضب، صالح الجنود وزمجروا، إنها فضيحة أن تصفعنا طفلة وبيبتنا تلعب فتغلب، يجب أن ننتقم فنحن الدولة وهيبتها، نحن من يرتجف من سماع اسمها كل الأعراب نحن القوة. أمسكوها وبأيديهم الغليظة كبّلوها، شبلة جميلة صغيرة وسط خنازير خسيسة، خنازير هائجة جريحة، صاحت الجميلة فارتعب الجلاد واحتار! كيف لبنت شقراء صغيرة أن تأتي كل هذه الشجاعة والقوة؟ أجابتهم بصوت متكبّر أنتم لا تعرفون حب الوطن، لا تعرفون ظلم المحتل، لا تفهمون رمز العلم، لا تعرفون سحر هوائه ورائحة أرضه ونسمات بحره، لأن لا بلاد لكم ولا وطن أما أنا قوتي أستمدها من أرضي من حب وطني الذي اغتصبتموه باطلا وبهتانا، قوتي استمدها من عشقي للوطن، لأن الأرض أرضي، لأن البحر بحري والسماء سمائي والهواء الذي يمر بخياشيمكم هوائي، لن أترككم تسمموه، يحيا الوطن. بالزنزانة ووراء القضبان سجنت شبلة جميلة في وطنها تسجن ومن أمها تحرم من طرف محتل متعجرف، لم ترضخ ولم تستسلم وأمام القاضي احتجت وبشعرها الأشقر الجميل اعتزت وانتفضت واهتزت وصرخت وقالت: «أيها القاضي أنا الفلسطينية المناضلة، أنا المستقبل أنا شرف الأمة، الأرض أرضي والوطن وطني فمن أنت؟ أقول لك أيها القاضي من أنت؟ أنت المحتل، أنت الجلاد أنت السارق، أنت المتهم ولست أنا. غضب القاضي وبالحكم نطق فكيف يسكت عن صفع طفلة لمحتل مستبد له كرسي في دائرة الأمم وقال: «نحكم بسجن شبلة صفعت مائعا متبولا احتل أرضها واغتصب تاريخها لكي لا تعاد الكرة». علقت الشبلة وقالت: «صفعتم الإنسانية بتجبركم ولم تحاكموا وصفعتكم طفلة فأرعبتكم وسوف تبقى تصفعكم». لقد اتهموها بإهانة العدو واتهامهم للشبلة المتمردة كان والحق يقال صادقا فقد أهانتهم فعلا بل عرّتهم وفضحتهم أمام العالم فكيف لجيش عرمرم يرتعب ويتبلل من شبلة شقراء صغيرة. لقد أصبح العدو هو المتهم أمام العالم باعتدائه على الطفولة وعلى الإنسان فتحية مني إلى «موناليزا» فلسطين. أخرجوها وبنهاية مدة الحكم أعلموها، فرح الأهالي وكل الوطن، أما الشبلة الصغيرة لم تفرح فسجنها لم ينته لقد غيّروا مساحة السجن وأطلقوها وبالسجن الكبير تركوها.