اننا عندما ننظر الى القرآن العظيم باعتبار منزلته منا ومنزلته من الكتب الاخرى، يتبين لنا ان هذا القرآن انما هو كلمة الله القائمة فيما بيننا ومعجزته الدائمة على مر القرون. وهذا المعنى الذي امتاز به القرآن العظيم وهو انه كلمة الله القائمة ومعجزته الدائمة هو امر يجعله منفردا بذلك بين جميع ما عرفت الامم وجميع ما وحد في العالم كله من الكائنات لان القرآن بهذا الاعتبار يكون منقطع النظير وعديم الشبيه بين كل ما اوتيت الامم الاخرى من بينات ومعجزات وكتب تشتمل على الهدى وتشتمل على الرحمة ولكنها لا تبلغ مبلغ القرآن العظيم في انه كلمة الله الباقية ومعجزته الدائمة . من المعلوم ان المعجزة مقارنة للرسالة، ونحن نؤمن بان النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بدعا من الرسل وان الله تعالى قد اوحى اليه كما اوحى الى نوح والنبيئين من بعده. وحينئذ كانت المعجزات موجودة عند الامم وكانت رسالات الانبياء مؤيدة بالمعجزات من قبل ان تظهر المعجزة العظمى التي ابدت الرسالة العامة رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فامر الاعجاز حينئذ هو امر عام في الديانات. ولكن الامر الذي يمتاز به القرآن العظيم هو ان المعجزة التي هي عبارة عن الامر الخارق للعادة المقرون بالتحدي انما جاءت في نفس كلمة الدعوة وفي نفس الوحي الذي اوحي به على النبي صلى الله عليه وسلم فاذا كان للانبياء الاخرين معجزات نؤمن بها ونعلم انها كانت من خوارق العادات وان الانبياء انما اوتوها لتكون برهانا على صدقهم في التبليغ عن الله تعالى فاننا من جهة اخرى نلاحظ انها منقرضة وليست قائمة الآن للعيان وليست مشهودة من الاجيال المتعاقبة ولكننا نطمئن اليها ونصدق بها تصديقا بالاخبار الصادقة التي بلغت الينا ذلك واطمئناننا اليها. واما القران العظيم فلما كان الاعجاز متمثلا في ذاته وفي الفاظه وكان هو الذي تحدى به وهو الذي ثبت العجز عن معارضته فيما تحدى به فانه معجزة ماثلة للعيان ينقضي الجيل بعد الجيل من المؤمنين وغير المؤمنين وهذه المعجزة باقية مشاهدة. فنحن عندما نصغي الى القرآن العظيم ونتلوه ونتدبره نكون كاننا نشاهد احياء عيسى ابن مريم الموتى وانشقاق البحر لموسى بل نشاهد آية هي اعظم من ذلك واعظم حتى من انشقاق القمر. وبهذا المعنى امتاز القرآن بانه آية من آيات النبوة لم تزل قائمة بعينها مقام الشهود والعيان في الامة التي ايدت رسولها بها وهي واضحة لكل من يريد ان يتدبر في تلك الاية بحيث انها تكون كما قيل : شجن حساده وغيظ عداه ** ان يرى مبصر ويسمع واعي وهذا هو المعنى الذي يشير اليه شرف الدين البصيري اذ يقول في الهمزية : فانقضت اي الانبياء واياتك ** فينا ما ان لهن انقضاء وهو المعنى الذي اصله حديث صحيح عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من نبي الا اوتي من الايات ما مثله امن عليه البشر. وانما كان الذي اوتيت وحيا اوحاه الله الي فارجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة. فالنبي صلى الله عليه وسلم يثبت في الحديث ما كنا نقرر ان امر الاعجاز عام مقارن كل نبوءة من النبوءات وانه ما من الانبياء نبي الا اوتي ايات من الآيات وان تلك الايات انما تكون في كل نبوءة مماثلة امن عليه البشر. واي من نوع خوارق العادات التي تقرب الى ما يؤمن به الناس عن عصر بروز تلك المعجزة وما يطمئنون اليه وما يفتتنون به وما يتسابقون في مجاله وان ما اوتيه النبي صلى الله عليه وسلم انما كان وحيا وهذا هو الذي يشير الى الخصوصية المحمدية الاسلامية . فان الوحي هو عام للانبياء جميعا والمعجزة عامة للانبياء جميعا ولكن الذي اختصت به الدعوة الاسلامية ان يكون الوحي عين المعجزة وان تكون المعجزة نفس الوحي فهي دعوة مؤيدة ببرهانها منها ومتصل دليلها بها . وهذا المعنى الذي جعله صلى الله عليه وسلم يرجو ان يكون اكثر الانبياء تابعا يوم القيامة لان قيام المعجزة واستمرارها وحضورها لمعاينة كل المدركين على مر العصور والاجيال تجعل الايمان به صلى الله عليه وسلم وبرسالته مستمرا متجددا بصورة تجعل اتباعه الحقيقيين الذين هم ليسوا كاتباع الانبياء الاخرين منهم من اتبع الرسالة عن حق وهدى ومنهم من اتبعها عن تحريف وتصحيف ومنهم من اتبعها عن تعطيل ومنهم من اتبعها وهي منسوخة فلا يعتبرون من الاتباع ولاجل ذلك يكون النبيء صلى الله عليه وسلم في مجموع العصور من نزول القرآن العظيم الى قيام الساعة اكثر الناس اتباعا . ولا يتجلى ذلك في نسبة اتباعه صلى الله عليه وسلم من معاصريهم في كل عصر من العصور ولكنه يتجلى في نسبة اتباعه من اتباع الامم يوم القيامة يوم يحشر اتباع الرسل وتتبع كل امة نبيها فيكون الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم طيلة العصور من نزول القران الى قيام الساعة اكثر عددا من جميع الذين اتبعوا كل نبي من الانبياء الاخرين . يتبع