الكتاب يمكّنك من السفر حتى إن لم يُتح لك فرصة الذهاب في إجازة. وهو يساعدك على التمتّع أكثر باجازتك إن ذهبت في اجازة. لذلك رأينا أن نقترح عليك كل يوم كتابا حتى يكون للمطالعة، التي تبقى أهم نشاط انساني، في صيفك نصيب. حرّر الطبيب العسكري وعالم النبات الألماني ج.أو. هابنسترايت رحلته إلى الجزائر وتونس وطرابلس سنة 1732م، ولكنها لم تصدر إلا بعد وفاته بعشرين سنة. وها قد عربها ناصر الدين سعيدوني الجزائري فصدرت عن دار الغرب الإسلامي للحبيب اللمسي التونسي ببيروت سنة 2008 مجلدة في 174ص بمقدمات عربية وفرنسية وانقليزية. أهملها الفرنسيون لأنها لا تخدم نظرتهم لأقطار المغرب العربي، ونشرها المعرّب محققة لأنها أكثر موضوعية من عديد الرحلات الأجنبية نتيجة انضباط صاحبها وإخلاصه في عمله اللذين نال بهما ثقة ملك بولونيا ومنتخب الساكس أغطسطس الثاني (1670 1733م) فكلفه برئاسة بعثة علمية إلى شمال إفريقيا للتعرف على النباتات والحيوانات وجمع نماذج منها للقصر الملكي، وهي نفس الثقة المتجدّدة بعد وفاة الملك مع خلفه أغطسطس الثالث الذي عينه أستاذا للطب في لبيزيغ مما ساعده على نشر بعض مؤلفاته إلى أن دعي لتقديم الإسعافات لجيش أمير سكسونيا في حرب السبع سنوات ضد ملك فرنسا لويس الرابع عشر، وفيها أصيب الطبيب بحمّى معدية توفي بها في 5121757. وقيمة رحلته المختصرة والدقيقة في تصور فترة استقلال ولايات الجزائر وتونس وطرابلس عن الدولة العثمانية وفي إنارة علاقات حكامها بالداخل والخارج بما فيها الجيش والجباية والتصدّي للأطماع الاستعمارية كاحتلال الإسبان لوهران والمرسى الكبير سنة 1732م بعد إجلائهم عنهما سنة 1708م. ولم يكن صاحب الرحلة وحده منقّبا عن الآثار الرومانية في الشمال الإفريقي، غير أنه تميّز عن سابقيه ولاحقيه بتقدير الأهالي في عاداتهم وصلاتهم الأخوية والروحية وتضامنهم ضد العدوان متجاوزين الحدود. وكان بصفة خاصة أكثر الرحالة تفهما لميول الشعوب وخصائص الجماعات والريفيين منهم بالذات على حد قول المترجم (ص19).