انبرى هذه الأيام البعض من «المِدْبِيَّةْ» الذين أغْراهم لقب «دكتور» و»شيخ»متستّرين بصفة زيتوني وهم في الحقيقة أذناب لاتّجاهات سياسيّة منها التي تتاجر بالدين ومنها الظلاميّة التي هي حجّة على الإسلام حيث صار يُنْعت بسبب أفعالهم ب»محورالشرّ»وبأنّ الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم لم يأتي إلّا بما يضرّ الإنسانيّة وهذه الأحكام التي لا تمتّ بصلة لسماحة الإسلام ونقاوة مقاصده مرجعها أنّ فئة ضالة من المنتسبين للإسلام وهو منهم براء قاموا بأعمال وحشيّة من تقتيل وذبح وتنكيل بجثة ضحاياهم في عمليات عانى منها المسلمون قبل غيرهم في كلّ أصقاع العالم.وحيث كنّا نترقّب من هؤلاء الدكاترة-بين قوسين- للمحافظة على رمزيّة لقب دكتور على الأقلّ أن يسلكوا مسلك العلماء في مناقشة تقرير لجنة الحقوق والحريات الذي حتّى رئيس الجمهوريّة مؤسّس هذه اللجنة والراعي لها قرّر تعميق الحوار حول الكثير من بنودها مع مختلف الحساسيات الفكرية والسياسّة . لكن على عكس ذلك فقد انتشر الدكاترة -بين قوسين- في الشوارع والبطاح يصرخون للتنديد بتقرير لجنة الحرّيات وقد اجتمع حولهم كلّ من هبّ وذبّ من المعادين للمرأة منذ 1956 الذين عانى بورقيبة منهم و من أمثالهم الأمرين عندما أصدر مجلّة الأحوال الشخصيّة وتنادوا لإسقاط تقرير لجنة الحقوق والحرّيات وهذا التنديد كان سيكون مسموعا من أغلب أطياف الشعب التونسي لو كان نقدا اعتمادا على الفكر ومقارعة الحجّة بالحجّ لأنّ «هكذا يفعل الدكاترة الصَحَاحْ» بل لم يكن لهم من حجّة أو بالأحرى لم نسمع منهم إلّا حجّة واحدة جعلوا منها حرابهم الذي سنّوه لإسقاط هذا التقرير وهذه الحجّة هي القاعدة الفقهيّة «سدّ الدرائع»باعتبار أنّ تقرير اللجنة سيفتح أبواب أخرى للاجتهاد ستضرّ بمصالحهم إذ هم يتمعّشون من زعاماتهم للدين وانقياد العامة لهم ويرونا في الحريّة- التي هي مبدأ أساسي في الإسلام إذ الله خلق الإنسان حرّا وأعطاه عقلا يميّز به واستخلفه في الأرض-عدوّا لهم إذْ يعلمون أن الحريّة ستكون بمثابة المعول الذي سيزيل كلّ الاعتقادات الباليّة التي ظهرتْ في عصور الانحطاط والتي يريدون المحافظة عليها لتنفيذ خططهم الجهنّميّة في احتواء العقول وتجميد التفكير والمحافظة على العقال الذي قيّدوا به فكر المسلم على مرّ العصور.ثمّ إنّ هؤلاء «الدكاترة»-بين قوسيين- الذين استحضروا في خطبهم التجيّشيّة قاعدة» سدّ الضرائع» لمحاربة الحريّة و الاجتهاد نسوا أو تناسوا في حربهم هذه سلاح آخر وهو قاعدة فقهيّة أخرى هي مَعَرَّة للشريعة التي يتباهون بها وهي قاعدة «الحيل الفقهيّة»التي اعتمادا عليها قد وضعتْ الشريعة كثيرا من الأحكام التي تنظّم شؤون الناس عن طريق الحيلة والتدليس وتَغْيّر الواقع والوقائع وبذلك تَضِيع حقوق النّاس بهذه الطرّهات الفقهيّة وهذا لا يبوح به الخطباء في المساجد ولا الدكاترة الخطباء في الشوارع لعامة الناس حتّى لا تنكشف ثغرات فقههم الذي يحتجّون للإبقاء عليه عن طريق قاعد «سدّ الذرائع». وإنّي أعتبر أنّ الخطأ الوحيد الذي وقعتْ فيه لجنة الحقوق والحريات هو أنّها عندما استدعتْ رئيس النهضة للاستماع إليه وجاءت نيابة عنها الفقيهة « نبيهة العبيدي» وقالت لهم إنّ اللجنة ينقصها خبير في ال»الفقه» خَطَؤُهم هو أنّهم لم يلحقوها باللجنة لسدّ هذا الشغور ولو فعلوا لاقترحتْ عليهم كثيرا من الحيل الفقهيّة التي كانت ستساعد على تمرير التقرير بكلّ سهولة على الغوغائييّن إذْ أهل مكّة أدرى بشعابها والفقيهة «العبيدي» أدرى بمخارج الحيل الشرعيّة التي كانت ستقنع هؤلاء «الإمّعة» و لو فعلوا وألحقوها لَكَفَى الله التونسييّن شرّ الفتنة التي يريدون تحريكها والتي هي أشدّ من القتل.