كتب الباحث في العلوم السياسية شادي حامد في مجلة "ذا اتلانتك" الامريكية في حديثه عن الديمقراطية في الشرق الاوسط، مخصصا مجالا للتجربة التونسية قائلا: « إن السؤال الدائم حول ما إذا كان يمكن للديمقراطية أن تنجح في الشرق الأوسط ليس من السهل الإجابة عليه دائمًا. بشكل عام، لم تنجح الديمقراطية في هذه المنطقة، لكن في خضم الحرب الأهلية في اليمن وليبيا وسوريا وصعود السلطوية في السعودية ومصر، وعدم الاستقرار الاقتصادي في الأردن، هناك ثلاث حالات على الأقل تتحدى فكرة أنه لا يمكن للديمقراطية أن تنمو هنا. أولا هناك تونس، التي أجرت أول انتخابات بلدية لها بعد الثورة في شهر ماي، وتظل هذه الدولة نقطة مضيئة (نسبيا) في العالم العربي. ثم هناك الحالات الأقل نجاحا في العراق وكذلك لبنان، الدولة الفاشلة الأكثر نجاحا في العالم! يتشارك الثلاثة معاً سمتين مهمتين هنا: أولا، تشمل هذه الدول الأحزاب الإسلامية في عملياتها الديمقراطية، بشكل عام دون مشاكل تذكر. وثانيا، تتمتع هذه الدول بدرجة معينة من تقاسم السلطة بين مكوناتها». ثم اضاف في حديثه عن تونس بالقول: « في تونس، حيث لم يتم تطبيع الإسلاميين بعد لأن التجربة الديمقراطية لا تزال في طور التبلور، يمكن استخلاص دروس مشابهة. فالعملية الانتقالية التي مرّت بها البلاد منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي في عام 2011 هي بمثابة تذكير بأن الديمقراطية لا يمكنها الاستمرار فحسب بل يمكن لها أن تزدهر – ولكن فقط إذا تم دمج الأحزاب الإسلامية في هذه العملية. قد يجادل البعض، مثل المحلل إبراهيم الأصيل، بأن تونس هي حالة استثنائية لأن حزب النهضة هو حركة استثنائية قامت بتخفيف هويتها الإسلامية، بل وتخلصت من التسمية الإسلامية نفسها، وتصالحت مع وجود دولة علمانية. لكن كتاب "الاستثنائية الإسلامية" (لكاتب المقال الأصلي شادي حميد، زميل بمركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز)، يحاجج بأن هذه التحولات كانت ضرورية لضمان البقاء والاستمرار، وتفادي القمع، وعكست براغماتية حازمة أكثر مما عكست تحوّلا إيديولوجيا عميقا. في حالة تونس، فإن المفارقة هي أن رغبة الإسلاميين في اللعب النظيف – وهو أمر يبدو إيجابياً بشكل عام – قد ساهم في تراجع الديمقراطية مثلا من خلال مسائل مثل العدول عن إصلاح الشرطة، وتطبيق استراتيجية لمكافحة الإرهاب تعتمد بشكل مفرط على الحل الأمني والفشل في محاسبة شخصيات النظام السابق على جرائمهم وفسادهم. في الحقيقة، بوصفها أكبر حزب في البرلمان، لدى النهضة قدرة كبيرة على تحدي سياسات رئيس الوزراء يوسف الشاهد والرئيس باجي قائد السبسي. لكن بدلاً من ذلك، فقد آثر قادة النهضة انتهاج الحذر والتوافق والاستقرار سبيلاً، خوفاً من أن يؤدي خلاف ذلك إلى عودة الاستقطاب والقمع. ولقد قبلت النهضة دورها كشريك صغير في الحكومة مما أكسبها، في الواقع، حماية سياسية. لكن هذا يعني أيضاً أن تونس قد حرمت من دور كتلة سياسية وازنة يمكنها أن تكون بمثابة لوبي فعال لتعزيز الانتقال الديمقراطي. أي أن الرغبة في التوصل إلى حل وسط قد يكون له كلفة كبيرة. هذه التوجهات اللاديمقراطية في تونس تشكّل سببا حقيقيا للقلق. لكن النقطة الأساسية، على الأقل في الوقت الراهن، هي أن الممارسة الديمقراطية في التطبيق يمكن أن توفر بديلاً مقبولاً للوضع الراهن الاستبدادي المسيطر في المنطقة. وفي كل من هذه الحالات، لا يمكن تصور الديمقراطية ببساطة دون مشاركة الإسلاميين. هذا، في حد ذاته، يجب أن يحثّنا على التفكير العميق، لا سيما في وقت تبدو فيه الديمقراطيات الغربية غير مهتمة لا بتعزيز الديمقراطية ولا بدمج الإسلاميين فيها بل هي قد تكون حتى معارضة لكليهما.