214 حزبا في تونس منها الناشط ومنها النائم ومنها الخانس لكن ماذا جنينا من هذا العدد المرتفع نسبيا؟. «الوصول إلى الحكم» هذا هو الهدف الرئيس للأحزاب في العالم، لكن هذه الغاية لا تهم جميع أحزابنا بل إن غاية الأغلبية لا تتعدى مجرد المشاركة في الانتخابات أو نيل بعض الشهرة أو الاستفادة من الدعم أو تجربة الحظ في الحصول على مقعد في البرلمان أو المجلس البلدي. تبدو الأقلية الباقية ملتزمة بهدفها الأساسي فهي تتنافس بحدة في ما بينها من أجل الفوز بالاستحقاقات الانتخابية، ولكن على أي أساس تتنافس؟ نجد الإجابة في الدور الثاني من حيث الأهمية وهو أن يعبر كل حزب عن فئة من المواطنين عبر مرجعيته الفكرية وايديولوجيته: بلا أرضية فكرية هناك من الأحزاب من يمتثل إلى هذا الشرط مثل حركة النهضة التي تستهدف فئة معينة من التونسيين عبر مرجعيتها الدينية الإسلامية، وحزب العمال الذي ينفرد بمن يثقون في مرجعية الماوتية وحركة البعث التي تستقطب فئة من القوميين لكننا نسأل (إنكاريا) عن معنى البورقيبية الحديثة التي يتبناها حزب نداء تونس وإذا كانت تعني إحياء الحزب الدستوري الذي اعتمده الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في بناء الدولة وتطعيمه بالحداثة فإننا نسأل (إنكاريا دائما) عن الفرق بينه وبين حركة مشروع تونس والحزب الدستوري الحر وحزب المبادرة الدستورية والمشروع الحزبي المفترض انبثاقه عن كتلة الائتلاف الوطني؟. بنفس القدر من الإنكار نسأل عن هوية الاتحاد الوطني الحر ومرجعيته الخاصة ما دام قادرا في أي وقت على الاندماج في حزب آخر؟. بلا هوية من المفترض ألا يتم التفكير في تأسيس أي حزب إلا بعد تحديد مرجعيته الفكرية وأهدافه وهويته المختلفة بالضرورة عما هو موجود حتى يستهدف الفئة التي لا تجد ضالتها في الأحزاب القائمة سلفا فنسأل بأكثر دقة عن الدافع الذي يجعل مواطنا ينخرط في حزب دون الحزب الذي يطابقه؟. الإجابة الأقرب إلى المنطق أن مؤسسي أغلبية الأحزاب يفكرون في مصالحهم دون التفكير في الجهة التي يستهدفونها، وهذه المصالح تبدو في محاولة الوصول إلى الحكم ومحاولة التمثيل البرلماني أو البلدي بأكبر عدد ممكن من المقاعد والسعي إلى مكافأة قياديي الحزب ببعض المناصب. أما الوسيلة في تحقيق هذه المصالح فتختلف من حزب إلى آخر لكن أغلبها لا يتعدى استمالة الناخبين بالوعود الكاذبة حينا والمضحكة أحيانا. بلا برامج لدينا حاليا عشرات قليلة من الأحزاب الناشطة بغض النظر عن قوة النشاط وتأثيره ومن المفترض أن تحمل هذه الأحزاب هموم التونسيين وآمالهم في واقع مشرق ومستقبل أفضل ولكن لماذا خاب ظن التونسيين في حاضرهم واسودت نظرتهم إلى المستقبل؟. الإجابة بسيطة وهي أن الأحزاب الناشطة والقوية لم تعد برنامجا لإنقاذ البلاد وإسعاد العباد وإن أعدته فلاستبلاه الناخبين والتغرير بهم وإليكم الدليل. هذا حزب النداء الفائز بآخر انتخابات تشريعية كان قد وعد ناخبيه ببرنامج مدهش لكننا لم نر منه شيئا لأنه انشغل منذ وصوله إلى الحكم بخلافاته الشخصية، وهذه حركة النهضة المتماسكة لم تقدم أي فائدة للبلاد لأن كل همها أن تبقى في الحكم وأن تفوز بحربها الوجودية، وهذه الجبهة الشعبية تتاجر بدماء ضحاياها وتتمسك بمعارضة أي حكومة وأي قانون وأي مبادرة دون أن تقدم لنا بديلا سياسيا ولا تنمويا يقنع أتباعها قبل بقية التونسيين. مصالح شخصية هل سمعتم يوما عن مشروع متكامل لحراك تونس الإرادة أو حركة مشروع تونس أو التيار الديمقراطي أو آفاق تونس أو الحزب الدستوري الحر أو أي حزب آخر غير التهجم على الخصوم. في تونس تبني أغلب الأحزاب آمالها على معاداة النهضة، وتكتفي هذه الحركة بالتظلم ويلتقي الجميع على استغفال الناخبين حتى إذا انتهت الانتخابات وظهرت نتائجها أسرعت الأحزاب الفائزة إلى البحث عن توافقات وتحالفات وتشاركات في الحكم بما يخدم مصالحها ويتم طي صفحة الوعود ومعها صفحات البرامج وتنطلق الخصومات حول المناصب. وعندما تنغلق السبل يتم التفكير في تغيير الحكومة فتأتي أخرى يتعارك أصحابها حول المناصب وتتجاور أحزاب المعارضة للهتاف ضد أحزابها الحاكمة دون أن يتطوع أي منها لإنقاذ البلاد. الحزب الوطني هو الذي يعد برنامجا طموحا يطبقه عند وصوله إلى الحكم، والحزب الوطني هو الذي يحرس الديمقراطية عندما يجد نفسه في المعارضة ويعد برنامجا بديلا هدفه الأول نفع البلاد، والحزب الوطني هو الذي يأخذ برأي المعارضة إذا كان في الحكم ويؤيد الأحزاب الحاكمة في قراراتها النافعة إذا كان في المعارضة. هذا ما ننتظره من الأحزاب وهذا ما نفتقده.