تونس «الشروق» ثماني سنوات مرت منذ ان تخلص الشعب التونسي من دكتاتورية بن علي ووضع أحزابه على سكة الديمقراطية والحرية في تمرير الإصلاحات التي تحتاجها البلاد على كل المستويات. مثلت المرحلة التي تلت 14 جانفي 2011 فرصة فريدة من نوعها لنخبنا السياسية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية في البلاد والقيام بعمليات جراحية في كل تلك القطاعات من أجل تجاوز الإشكاليات التي كانت تعاني منها والتي تسببت في انتفاضة الشعب على النظام السابق. هي عملية فريدة من نوعها فطوال تاريخنا المعاصر لم تحظ نخبنا السياسية بتلك الفرصة التي جعلت الشعب يفتك السلطة سلميا ويمنحها للأحزاب بين ليلة وضحاها كما ساهمت الادارة التونسية في الحفاظ على البلاد متماسكة في تلك المرحلة الى جانب قواتنا العسكرية والامنية أي ان الفرصة التي منحت للسياسيين وقتها كانت كاملة. وأمام مرونة مرور الحكم من بن علي والتجمع المنحل الى باقي الأطراف السياسية كان لابد ان نسأل بعد ثماني سنوات عن مصير الإصلاحات التي رفعت في شعارات المواطنين وهي اصلاح التعليم والصحة والاقتصاد والنقل ومنوال التنمية الى جانب إصلاح نظام الحكم أو النظام السياسي في البلاد. انطلقت الاصلاحات خلال سنة 2011 باصلاح نظام الحكم في البلاد وتم التوجه اولا الى اجراء اصلاحات على الدستور لنصل سنة 2014 الى اعتماد الدستور الحالي الذي تبنى نظاما سياسيا جديدا مازال طور التجريب بعد ثماني سنوات من جانفي 2011 كما ان عوراته بدات تظهر حيث اننا ابتعدنا عن النظام الرئاسي خوفا من تسلط الرئيس فوجدنا انفسنا في نظام «شبه شبه» فهو نظام نصف برلماني نصف رئاسي. وأنتج هذا النظام حالة سياسية معقدة في البلاد فبمجرد ان يحصل خلاف بين رأسي السلطة التنفيذية يصيبها الشلل وتدخل البلاد في ازمة عميقة رغم ان كلا الرئيسين من نفس الحزب في المرحلة الحالية. وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي مازالت البلاد تتخبط في ازمتها دون أي بوادر للانفراج القريب وفي غياب أي مخططات قصيرة او بعيدة المدى وواصلت الحكومات المتعاقبة التعامل مع تلك الازمة بشكل يومي كانها كلها حكومات تصريف اعمال وحتى المخططات التي تجرأت حكومة الحبيب الصيد او المهدي جمعة على وضعها تم اهمالها فيما بعد كما ان هناك مبادرات من خبراء في الاقتصاد اهملت أيضا. وفي قطاع التربية فقد بقيت الأطراف المتدخلة تتخبط في محاولات للاصلاح لكن لم يتوفق أي منها في الوصول الى اصلاح فعلي يتدارك النقائص في نظامنا التعليمي وربما تم التركيز على جوانب هامشية في هذا القطاع اكثر من التركيز على اصلاح المنظومة التربوية او البرامج التعليمية وهو ما جعلنا نتراجع اكثر في هذا المجال. وفي ملف الصحة والنقل لم يكن الأمر أفضل من باقي القطاعات حيث انه غابت محاولات الاصلاح في قطاع الصحة بعد المحاولات الصغيرة التي لم تتناول القطاع ككل ولم تكن برامج دولة وانما محاولات من بعض الوزراء أحيانا لكن الوضع لم يتحسن بل وصلنا في السنة الأخيرة الى ازمة خطيرة في هذا القطاع. وعلى الرغم من ان الأزمة الكبيرة التي يشهدها خاصة قطاع الادوية في تونس الا انها لم تكن يوما مسؤولية شخص او حكومة وانما مسؤولية دولة فلم تكن هناك مخططات او برامج متكاملة حول اصلاح هذا القطاع ومستقبله بالرغم من انه كان من القطاعات الحيوية والتي تتميز به بلادنا. إذن يمكن ان نؤكد ان كل القطاعات في تونس تقريبا لم تشهد محاولات جدية للاصلاح ناهيك عن الاصلاحات الكبرى التي تهم سواء تلك القطاعات او عددا من المؤسسات الحيوية في البلاد مثل الصناديق الاجتماعية وكانت كل الحكومات تقريبا تتعامل مع الامور بشكل يومي لا يختلف عن سياسة حكومات تصريف الاعمال.