منذ اندلاع الثورة الى حد اليوم لا تكاد تمر سنة دون اجراء تحوير وزاري يرتقي الى مستوى تغيير حكومة باكملها بالنظر الى العدد الكبير في القائب الوزارية التي شملها التغيير .. وقبل ايام اقدم رئيس الحكومة يوسف الشاهد على اجراء تحوير وزاري شمل 13 وزارة والاغرب انه قبل اشهر من اجراء الانتخابات التي من المؤكد انها ستاتي بحكومة جديدة وبتصور جديد للحكم اقدم الشاهد على احداث تغييرات من قبيل حذف وزارات واستحداث اخرى. هذه التحويرات المتتالية التي جعل عدد الوزراء في تونس منذ الثورة يصل الى ما يزيد عن 350 وزيرا تداولوا على تسيير وزارات قديمة واخرى استحدثت ثم الغيت واخرى مازالت قائمة رغم ضعف مردوديتها والاكيد ان مثل هذه التغييرات المتتالية لن تزيد الاقتصاد الا بؤسا وهو الذي يحتاج الى مخططات طويلة الامد لانعاشه مع الصبر عليها الى ان تؤتي اكلها ورفدها بالعمل بل وبالتفاني فيه ومضاعفة الجهد. معاناة مستفحلة لا باس من التذكير ان الثورة التونسية قامت بسبب تراكم المشاكل الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار التي أثقلت كاهل المواطن ليجد نفسه أمام حل وحيد وهو ان يثور على نظام راى انه لم يحقق تطلعاته ولتهفو نفسه بعد تاريخ 14 جانفي 2011 الى غد افضل والى حياة اكرم وهذا لن يتحقق الا بتوفر وضعية اقتصادية افضل تقطع مع التنمية سيئة التوزيع ومع البرامج التي لا تصلح الا للاستهلاك الاعلامي ولا تحقق شيئا على الارض وللاسف بعد ما يقراب عن الثماني سنوات من اندلاع الثورة لا شيء تحقق تقريبا واهتم السياسيون بمعاركهم وباعوا المواطن الوهم الذي يصحو وينام وهو يلوكه عل تشف كل يوم انه لا يتذوق الا الحنظل ليتاكد ان االوضع بقي على حاله ان لم يتراجع وهو ما خلف ياسا من السياسيين وحنقا على السياسة وما جلبته اليهم من تجاذبات ومن بيع وشراء للمواقف والاصوات مصلحة الوطن هي الخاسر الاول والاخير منه. اختلال في كل المؤشرات يعاني الميزان التجاري من تفاقم في العجز منذ سنوات فحسب التقرير الأخير للمعهد الوطني للإحصاء سجل العجز التجاري في تونس مستوى قياسيا مع نهاية شهر أكتوبر الماضيقدر بنحو 15,9 مليار دينار وبذلك تكون نسبة الارتفاع التي عرفها مقارنة بالعشرة أشهر الأولى من سنة 2017 لا تقل عن 21 في المائة، وترتفع إلى حدود 48 في المائة، مقارنة مع النتائج المسجلة خلال سنة 2016 كما تراجعت نسبة تغطية الصادرات للواردات بنسبة 0,2 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2017، لتقدر بنحو 67,7 في المائة. ومن المتوقع أن يرتفع العجز التجاري طوال السنة الحالية ليبلغ لأول مرة في تاريخ الاقتصاد التونسي حدود 20 مليار دينار وهذا ما سيجعل المؤشرات الاقتصادية الإجمالية أكثر خطورة خلال السنة المقبلة بسبب ارتفاع حجم خدمة الديون الخارجية وصعوبة الخروج من الأزمة الاقتصادية وقلة الاستثمارات مع تراجع مستوى الصادرات .. هذا العجز المنبئ بامتداده الى مؤشرات اخرى حدث رغم ان الحكومة حاولت خلال الفترة الماضية الحد من الواردات من خلال وضع قائمة بنحو 220 منتجا موردا وجهت توصيات إلى البنوك بعدم توفير التمويلات اللازمة لها، كما سعت إلى تعديل اتفاقيات المبادلات التجارية مع بعض البلدان الا ان تلك الاجراءات لم تؤت اكلها لان الموردين يعتمدون الف حيلة وحيلة لتجاوز العراقيل التي وضعها البنك المركزي امام التوريد المكثف كما ان تغيير الاتفاقيات لن يجدي هو ابضا نفعا اذا لم يواكبه تطور في الصادرات التونسية الفلاحية والصناعية للاسف لم يتم توفير الارضية الملائة لها لترتفع لان الفلاحة مازالت تقليدية اما الصناعة فاضافة الى التوريد قتلها «الفرانشيز» والحلول العاجزة عن الرقي بها وتقوية طاقاتها التنافسية من خلال اعفائها جزئيا من الضرائب واتباع حوكمة رشيدة في مراقبتها حتى لا تحقق ارباحا طائلة على حساب البلاد فالصناعة التونسية قادرة على الاشعاع عالميا لو توفرت لها الظروف المناسبة قانونيا ولوجستيا كما ان القسط الاكبر من النمو والتشغيل محمول على المؤسسات الصغرى والمتوسطة الا ان الدولة لم توفر لها التمويلات اللازمة لان مؤسسات «السيكار» لا تعترف بها والبنوك تعتبر ان مخاطرها المالية ستكون كبيرة عند تمويلها لتضيع احلام باعثيها امام تعنت مؤسسات التمويل بكل انواعها لان الدولة لم تجبر مؤسسات «السيكار» ولا البنوك على تلطيف شروطهما تجاه هذا النوع من المؤسسات وهو ما نفر الشبان من الانخراط في المبادرة الحرة وريادة الاعمال لان المعطلات اكثر من المحفزات وهو ما وضع الدولة امام عبء تشغيلمئات الالاف من الشبان في قطاعات لم تعد قادرة على استيعابهم ولا مردودية لها من انتدابهم بل على العكس ستضر بمواطن الشغل المجودة وهو ما يهدد بالترفيع في اعداد العاطلين عن العمل. تنامي الديون يعاني الاقتصاد التونسي من ضعف الموارد المالية الذاتية وهذا فيه اسباب تعود الى الحكومة وفيه اخرى يتحمل فيها المواطن مسؤوليته الذي تراجعت مردوديته في العمل وتنامى كسله بصورة ملفتة للانتباه خاصة في المؤسسات العمومية التي لا يطالب فيها العامل او الموظف الا بالزيادة في الاجور دون ان تتبعها زيادة في الانتاج وتحكم في الانتاجية اضافة طبعا الى الاحتجاجات والاضرابات التي صارت خبزا يوميا .. هذا الضعف في الموارد الذاتية للدولة جعلها تعتمد على التداين الخارجي لتلبية حاجيات الميزانية وتوفير أجور أكثر من 600 ألف موظف في القطاع العام، علاوة على الطلبات المتتالية برفع في الأجور التي صدرت عن المنظمات النقابية. ليصبح الاعتماد على القروض الخارجية والتداين المفرط السمة الغالبة على التوجه الاقتصادي في تونس تحت شعار «احييني اليوم واقتلني غدوة» اذ ان الاجيال القادمة سترث وضعا متازما يحتاج الى مجهود خرافي لاصلاحه وهو ما يحتم المراجعة الفورية للتوجهات الاقتصادية الحالية عبر مصارحة التونسيين بسوء اقتصاد البلاد وانه لا يحتمل زيادات مفرطة في الاجور دون ان يواكبها زيادة في المجهود وان الصبر على الاوضاع والعمل من اجل تغييرها انفع للبلاد والعباد من الاستماع الى الدعوات المتكررة الى رفع المقدجرة الشرائية للمواطن التي هي في اغلبها كلمة حق اريد بها باطل فعلى التونسيين ان يعوا ان اغلب القروض الممنوحة لتونس تم توجيهها الى تغطية الاعباء المحمولة على الميزانيات لتسديد الاجور مع الزيادات الحاصلة فيها وليس ادل على ذلك من ان الاقساط الممنوحة للدولة من قرض صندوق النقد الدولي توجهت الى تمويل ميزانية الدولة والحد من عجزها واستاد اليدنار المتهاوي كما يؤكدها ايضا التجاء الدولة في كل سنة منذ الثورة الى إعداد مشروع قانون مالية تكميلي للحفاظ على التوازنات المالية الداخلية التي بلغت مستوى كبيرا من العجز اختارت الحكومات ان تغطيه باللجوء إلى الاقتراض الخارجي بدل اللجوؤ الى اصلاحات ضرورية في صندوق الدعم والدفع نحو استهلاك المنتجات المحلية ورفع مستوى التصدير لان الاقتصاد التونسي لن يستعيد عافيته إلا بعد اجراء الاصلاحات اللازمة التي تاحر انجازها مع دعم المبادرة الخاصة واسناد الاستثمارات المحلية والأجنبية بقوانين ميسرة للعمل لا معطلة له ومحاربة الفساد بكل انواعه وضرب البيروقراطية مع اقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليتيسر انجاز مئات المشاريع المعطلة التي لا تجد الدولة ممولين لها الا في اطار الشراكة بين الخاص والعام التي ان تم اقرارها ستكون الدولة في غنى عن الاقتراض الخارجي المجحف. ان هذه الاجراءات الضرورية لم تواكب كل التحويرات الوزارية وهو ما افقدها كل معنى وجعلها تغييرات بلا فائدة عمقت ياس التونسيين من السياسة والسياسيين وقلصت من مساحات الامل في نفوسهم وهو ما ترتب عنه عزوف في الانتخابات البلدية قد يتكرر بعد سنة من الان مع الاستحقاقين التشريعي والرئاسي وساعتها قد تنفتح بلادنا على المجهول ولن يجد السياسيون مناصب عليها يختصمون.