طرابلس- الشروق. اسدل الستار قبل يومين في مدينة باليرمو عاصمة مقاطعة صقلية الإيطالية عن المؤتمر الدولي المتعلق بليبيا والذي سعت إيطاليا إلى أن يحظى بحضور دولي وإقليمي واسع وفعلت ذلك.يتساءل كثيرون عما يمكن أن يقدمه هذا المؤتمر في سبيل حل الأزمة الليبية التي طال أمدها وزاد تعقيدها وقبل محاولة الإجابة عن هذا التساؤل لابد من استقراء المشهد الليبي محلياًّ وما يتعلق به دولياً فعلى المستوى المحلي بعد اشتباكات طرابلس بدأت الأجسام العاجزة وشبه العاجزة بالحراك لتثبت فعالياتها وتم تفعيل الإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية كما بدأ التقارب بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والذي يسعى لتعديل وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي كما سارع مجلس النواب إلى إقرار قانون الاستفتاء على مشروع الدستور وتحصينه بتعديل دستوري بآلية هي محل إشكال قانوني وكل هذا تم بضغط كبير مارسه المبعوث الأممي غسان سلامة مع تغيّر في لهجته التي أصبحت أشد حزماً وصرامةً. وما أن هدأت العاصمة وبدأت الحياة فيها تعود إلى طبيعتها، حتى بدأت تظهر المناورات السياسية من مختلف الأطراف فالسراج في خطوة استباقية للالتفاف على محاولة إعادة هيكلة وتعديل المجلس الرئاسي، غيّر في تشكيلة حكومته وعيّن وزراء جدد يقول إنهم أكفأ وأقدر على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه فيما يخص الإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية ورغم ترحيب البعثة الأممية بأي تقارب وتوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلا أنها كانت أكثر حماساً وترحيباً بالتعديل الوزاري لإدراكها أنه أكثر ما يمكن تحقيقه لجعل السلطة التنفيذية أكثر كفاءة في ظل صعوبة التوافق بين النواب والأعلى للدولة خاصة وأن رئيس مجلس النواب بدأ يتراجع فيما يخص صحة الجلسة التي عدّل فيها الإعلان الدستوري وأنه تم التوقيع على وثيقة تفاهم بخصوص التعديل فقط كما صرّح مستشاره الإعلامي وهذا ما يفسّر عدم إحالة قانون الاستفتاء إلى المفوضية العليا للانتخابات ويرى كثيرون أن صالح يستخدم قانون الاستفتاء والتعديل الدستوري كورقة ضغط ومساومة للمجلس الأعلى للدولة كي يكون رئيساً للمجلس الرئاسي في حال تم تعديله. في حالة الجمود السياسي التي بدأت تعود من جديد سعت إيطاليا لتحشيد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي لها لتتولى قيادة المجتمع الدولي فيما يتعلق بالملف الليبي وتبرز فرنسا كعقبة أمامها لاختلافهما في آلية الحل وللتنافس الكبير بينهما على المصالح في ليبيا إضافة إلى الخلاف بين الدولتين فيما يتعلق في سياسة الهجرة التي تمثل إيطاليا البوابة الجنوبية الرئيسية للمهاجرين إلى أوروبا وأكثر المتضررين من هذا الملف. نجحت إيطاليا في كسب الدعم الأمريكي لها في توجهها الجديد واستطاعت أن تقضي على مخرجات لقاء باريس ولكن تدرك إيطاليا جيداً ما لفرنسا من نفوذ قوي على قائد الكرامة الجنرال خليفة حفتر المسيطر على المنطقة الشرقية ولا زالت الدبلوماسية الإيطالية تسعى لإفقاد فرنسا هذه النقطة القوية فزيارة وزير الخارجية الإيطالي للرجمة ولقائه بحفتر وزيارته للقاهرة وما ظهر في هذا اللقاء من تقارب وتفاهم مع مصر خاصة فيما يتعلق بالجانب الأمني وعدم ترحيب القاهرة بمخرجات باريس كل هذا لم يكن كافياً لضمان انخراط حفتر بشكل فعال في التوجه الإيطالي وهو ما جعل وزير الخارجية الإيطالي يشد الرحال نحو موسكو التي تربطها علاقة جيدة مع حفتر وهناك تقارير تفيد بسعي روسيا إلى أن يكون لها تواجد عسكري في الشرق الليبي خاصة وأنها لا تريد أن ينفرد الناتو بإدارة المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط ويبدو أن روسيا ستميل إلى الجانب الإيطالي خاصةً وأن وزير الخارجية الإيطالي بدا في تصريحاته الأخيرة أكثر تركيزاً على الجانب الأمني وهو ما يهم مصر وروسيا اللذين قد يشكلان ضغطاً كافيا لإقناع حفتر بالانخراط الجاد في التوجه الإيطالي. وبالعودة إلى التساؤل في أول المقال فيمكن القول إن مؤتمر باليرمو لن يعيد اختراع العجلة من جديد ولن يأتي بحلول جوهرية جديدة فالكل يدرك أن المخرج من الأزمة يكمن في إجراء انتخابات عامة ولكن الجديد الذي تأمل إيطاليا في الوصول إليه بشأن ليبيا هو تحقيق إجماع دولي مُلزم لكافة الأطراف يتمثل في الاتفاق على خارطة طريق واقعية وبمواعيد محددة ومعقولة لتحقيق حالة الاستقرار الأمني من خلال توحيد المؤسسات وإقرار مرجعية دستورية من شأنها أن تصل بليبيا إلى انتخابات يسلم الجميع بنتائجها وتنهي حالة الانقسام والفوضى.