تونس الشروق: وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالاقتصاد التضامني والاجتماعي.. خطة جديدة احدثت بمناسبة التحوير الوزاري الاخير وتتعلق عليها وفق الخبراء آمال عديدة للمساعدة على النهوض الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. في السنوات الأخيرة تحولت منظومة «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» في عديد دول العالم - بما في ذلك الدول المتقدمة- الى احد ابرز حلول التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي وذلك بحكم ما يمكن ان توفره من قيمة مضافة في مجال خلق الثروة ودعم الناتج الداخلي الخام وخلق مواطن الشغل. القطاع الثالث اغلب خبراء الاقتصاد في تونس اجمعوا منذ سنوات أنه لا يُعقل ان تتأخر تونس إلى هذا الحد في إرساء هذا النوع من الاقتصاد أو ما يُعرف ب«القطاع الاقتصادي الثالث» (الى جانب القطاع العام والقطاع الخاص). فهو لا يمثل اليوم في تونس إلا أقل من 1 بالمائة فقط من الناتج الداخلي الخام PIB في حين انه يمثل في دول أخرى نسبا أرفع. ففي فرنسا يساهم ب10 بالمائة في خلق مواطن شغل جديدة سنويا ويساهم في خلق رُبع مواطن الشغل الجديدة سنويا في الدول السكندينافية كما انه في الولاياتالمتحدةالامريكية أغلب الشركات الفلاحية الكبرى عبارة عن تعاضديات وكذلك الشأن بالنسبة للجامعات الأمريكية الشهيرة هناك التي تتخذ شكل الاقتصاد التضامني والاجتماعي وهو موجود ايضا في عديد الدول النامية مثل كينيا وبنغلاديش.. تجربة تونسية توجد بعض التجارب في تونس لكنها بقيت محدودة واقتصرت مثلا على التأمينات التعاونية وعلى بعض التعاضديات الفلاحية التي نجحت منذ سنوات الى حد ما في ارساء مشاريع محترمة ببعض الجهات توفر موارد رزق لكثيرين وتساهم في المحافظة على الملكية الفلاحية من التشتت. وقد عرفت تونس تجربة قريبة من الاقتصاد التضامني والاجتماعي وهي التعاضد وذلك في اواخر الستينات مع احمد بن صالح . غير ان التجربة منيت بالفشل لانها لم تكن على شاكلة الاقتصاد التضامني والاجتماعي بالمعنى الصحيح وبالآليات الضرورية بل كانت « مسقطة» من فوق ( اي من الدولة) ولم يكن للناشطين فيها اي مجال لحرية التصرف والاقتراح والمشاركة . اذ يجب ترك هذا التمشي ينبع من الأسفل أي من المجتمع ومن حاجته الى التعاضد والتكاتف حسب اختياراته وحاجياته الاقتصادية والاجتماعية. المختصون يرون انه يجب ان يتسع مجال نشاط هذا النوع من الاقتصاد اليوم نحو مجالات اخرى غير التامينات والفلاحة. فمثلا يمكن ان ينجح في قطاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة لا سيما الناشطة في مجال الخدمات ويمكن ان ينجح ايضا في بعض المجالات الصناعية او في قطاع الصناعات التقليدية. 200 ألف موطن شغل إضافي ويرى الخبير الاقتصادي راضي المدب انه يجب بالنسبة لتونس ان ترتفع مساهمة الاقتصاد التضامني والاجتماعي الى ما بين 5 و6 بالمائة في الناتج الداخلي الخام سنويا بهدف معاضدة القطاعين العام والخاص في الجهود التنموية وفي خلق مواطن الشغل وخلق الثروة. فالترفيع فيه بهذه النسبة يعني توفير 200 الف موطن شغل إضافي سنويا وبالتالي امتصاص فائض البطالة الذي تراكم اليوم في تونس الى حدود 650 الف عاطل وايضا توفير ثروة إضافية تناهز سنويا 5 مليار دينار وكل ذلك يعني إضافة نقطة سنويا في نسبة النمو.. وعموما يمكن ان يعطي الاقتصادي التضامني والاجتماعي حسب الخبراء آمالا جديدة ويفتح آفاقا واسعة أمام طبقة واسعة من التونسيين تشعر اليوم بانها « خارج»المجال الاقتصادي والاجتماعي. قانون وحملة ترويجية وعلى الصعيد العملي وبعد الخطوة الاولى المتمثلة في احداث وزارة خاصة بهذا النوع من الاقتصاد بات من الضروري اليوم وضع منظومة قانونية قوية ومتماسكة، علما انه يوجد لدى البرلمان مشروع قانون في الغرض منذ اشهر وهو في انتظار عرضه على اللجنة المختصة ثم على التصويت حتى يصدر في القريب العاجل الى جانب ملاءمة مختلف النصوص القانونية الاخرى مع هذا التمشي واصدار النصوص التطبيقية في مابعد في اسرع وقت. كما يتطلب انجاح هذا التمشي ايضا وضع عديد الآليات من قبل الدولة على غرار التسهيلات الادارية (مثلا للحصول على التراخيص ولفتح حسابات بنكية) ووضع الإطار المؤسساتي اللازم ومزيد دعم منظومة التمويل الصغير والعمل بالخصوص على استقطاب الناشطين في مجال الاقتصاد غير المنظم نحو الاقتصاد المنظم لتمكينهم من بعث مشاريع صغرى أو متوسطة بشكل منظم. واكثر من ذلك ينصح الخبراء بضرورة الترويج لهذا الخيار لدى عامة الناس والتعريف به من اجل استقطاب اكثر ما يمكن من مواطنين نحوه الى جانب ضرورة التكوين والمرافقة لكل من ينخرط فيه. كل ذلك يؤكد ان وزارة الاقتصاد التضامني والاجتماعي المحدثة بمقتضى التحوير الاخير ستكون بدورها امام تحد كبير وهو ارساء ودعم هذا النوع من الاقتصاد الذي اصبح مصدر نمو اقتصادي كبير في عديد الدول الاوروبية وفي امريكا وآسيا وفي بعض الدول الافريقية. وسيكون الوزير الجديد مطالبا بالتعامل بحنكة وكفاءة مع هذا الملف حتى تكون انطلاقته صلبة ودون اخطاء ويقع ارساؤها على اسس صحيحة.