هو الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (1854 – 1891 م) المعروف بقصر العمر والنبوغ في الشعر بنزعة رمزيّة وسرياليّة و أكاد أقول صوفيّة . هو روح الشابي قبل ميلاده، بل هو صورة لأشهر قصائده « الباخرة السكرانة « (أو الثملة أو المتعتعة = le bâteau ivre) . لم يعرف الاستقرار إلاّ في بلد روحانيّ، في هرار (Harar) البلدة المسلمة في أثيوبيا المسيحية . فبين أبوابها الخمسة وأسوارها السبعة الدائريّة والمعنويّة - عدا الخارجيّ المبنيّ - وجد أرتور في اسم عبد الله المعنى المناسب للفضاء والناس و المعبّر عن طمأنينة النفس، وهو منشغل مع شعب مضياف بسيط بالتجارة في القهوة والسلاح إلى درجة تخليده في الطوابع البريديّة . تلك القصيدة الشهيرة كانت اختياري لشرح نصّ في مادّة الفرنسيّة من برنامج إحدى سنوات الجامعة بدار المعلّمين العليا في اختصاص اللغة والآداب العربيّة، توّجت بالإجازة في جوان 1977 . هذا لاينسى : شبه أستاذ في العربيّة يشرح نصّا بالفرنسيّة قبالة زملائه وفي حضرة أستاذ فرنسي ! وياله من نصّ ! قصيدة لرامبو، بل قصيدة ممثّلة لرامبو . أمّا « الإشراقات « (illuminations) فهي أيضا تمثّله في بعدها الوجودي، وتمثّل طبقة من جيله في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بأوروبا مثلما تمثّل قصائد الشابي وجبران وأبي ماضي طبقة من جيل النصف الأوّل من القرن العشرين في المشرق والمغرب العربيين وفي المهجر الأمريكي لأدباء لبنانيين – بدرجة أولى – ضمن الرابطة القلميّة والعصبة الأندلسيّة . تلك الإشراقات الموحيات الملهمات استمددت منها – ولست وحدي – هذه السلسلة من المقالات، الشبيهة أيضا بذلك المركب المترنّح كلّما تأرجح قلمي بين المعقول واللاّمعقول، وبين الحقيقة والخيال، وبين عديد الثنائيّات الفكريّة من حياتنا في مختلف مجالاتها . كتابات كلمع الضوء تنقدح دون إذن، وفي أيّ وقت، وفي مدّة تقصر أو تطول، فأبادر مسرعا إلى تقييدها خوفا عليها من الضياع والاضطراب ما دامت كالوحي يمليه عليّ رسول من مؤمنيّ الجنّ حسب ما يخيّل إليّ، ولا أدري، غير أنّي أدري أنّ الكتابة متسارعة وأشعر، بل أحسّ، بأنّ قلمي هو الذي يجرّ يدي . ولا أستطيع أن أفسّر أكثر من هذا . تلك هي طبيعة الإشراقة، أسرع من الحظّ إذا دقّ الجرس . ألم تكن حياة رامبو، هي أيضا، إشراقة وهي القصيرة، الملهمة، الغنيّة عن التطويل ؟ أليست البلاغة الإيجاز ؟ بلى، بشهادة « عبد الله» .