صرخة فزع مدوّية أطلقها الشعب التونسي في وجه العاصفة التي هبت رياحها الآثمة على المنظومة التربويّة في ظلّ تجاذبات خطيرة بين أساتذة التعليم الثانوي ووزارة الإشراف. صرخة على أفواه الجميع وحالة من الحيرة والتوجّس والضياع والمجهول استبدت بالتلاميذ والأولياء وهم يعيشون وضعا تربويا خطيرا غير مسبوق في تاريخ تونس، انهارت فيه مرجعيّة الامتحانات وهيبة المربي وسمعة المؤسّسة التربويّة ناهيك التخبط الذي يعيشه التلاميذ في كلّ أرجاء الوطن المتعب من بنزرت إلى بنقردان. التلاميذ سقطوا ضحايا صراع معلن شعاره من الأقوى الوزارة أم النقابة؟! ووقوده التلاميذ والامتحانات والسير العادي للمعاهد! يحدث هذا في تونس التي كان التعليم منذ استقلالها مفخرة من مفاخرها وبارقة أمل كبرى ساهمت في تقليص مستوى الأمية إلى حدّ غير مسبوق في عالمنا العربي وفي القارّة الإفريقية بشهادة المنظمات العالميّة المختصّة. نعم... لقد كان التعليم قبل انتفاضة 2011 علامة تونسيّة متميّزة ومنارة أشعت في كامل تراب الوطن ونقلت تونس من عصور التخلف والانحطاط إلى عصر الحداثة والنمو والتقدم. وما كان لهذا الصّرح أن يتحقق ويعلو لولا عقلانيّة الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة الذي آمن منذ البدء أنّ خلاص تونس وحداثتها وتطوّرها حقائق لا تتحقق إلا بنشر التعليم وتعميمه ومجانيته وإعلاء رايته في كلّ شبر من تراب الوطن. ولا عجب في أن تكون تونس رائدة في محيطها الإقليمي ومصدر إعجاب دولي بعد أن حققت خطوات تاريخيّة حاسمة على مسار التربية والتّعليم. وكم هو مخجل ومحزن أن يتهاوى هذا الصّرح في ظلّ الخراب والفوضى والمزايدات التي عمّت البلاد خلال السّنوات الأخيرة بعد أن أصبحت أيادي الكثير من أبنائها معاول هدم بعد أن كانت أيادي آبائنا معاول بناء وتشييد. الجميع مسؤول أمام الله وأمام الشعب والتاريخ على وصمة العار المرسومة على جبين الواقع المتردّي الذي تعيشه تونس اليوم. الجميع شركاء في هذه الجريمة النكراء الفادحة التي طعنت خناجرها ونضالها قلب الوطن النابض وهو التعليم، بعد أن استولت أصوات الفوضى والصّراع على أصوات الحكمة والعقل، بعد أن أطاحت التجاذبات بالمنطق والحوار وجعلت آلاف التلاميذ عرضة لمخاطر وآفات وعلل الشارع في ظل حالة من الضياع الرّهيب. اتقوا الله في أجيال المستقبل وحكموا ضمائركم وعقولكم فما يحدث اليوم في تونس عار جسيم في كلّ حقول السّياسة والاقتصاد والمجتمع. توبوا إلى رشدكم فتونس أضحت بعد الأحلام الورديّة التي رافقت الأيام الأولى للثورة مستنقعا لجميع الرذائل بدءا بالتناحر السّياسي مرورا بالانهيار الاقتصادي وصولا إلى التّردّي التّربوي والقيمي والاجتماعي إضافة إلى ما نعيشه من مخاوف أمنيّة. اتقوا الله في الأجيال حاضرا ومستقبلا فتونس أمانة. قنصل عام وبرلماني أسبق عضو الهيئة المديرة لجمعية دراسات دوليّة