حياتي لغة . واللغة العربيّة حياتي . ومبكّرا متّعت نظري بالخطّ النسخي في لوح الكتّاب وشنّفت سمعي بتلاوة عمّي من المصحف المغربي وتعلّمت حروف الهجاء وأوائل الأفعال والأسماء فعبّرت عمّا حولي من الأشياء . ثمّ طالعت قصص الأطفال مبتدئا بجائزتي المدرسيّة الأولى . وكبرت مع اللغة فقرأت كثيرا، وصرت مع القراءة أكتب قليلا ثمّ كثيرا . وصحبتني اللغة العربيّة طيلة حياتي المهنيّة والثقافيّة مدرّسا بلاغتها وآدابها، ومدرّسا بها حضارتنا، ومحرّرا بها الأدب والنقد والتاريخ، وذائدا بها عن هويّتي، ومدافعا عنها ضدّ المتربّصين بها والمعتدين عليها والعابثين بها والجاهلين بقواعدها والمشكّكين في إنجازاتها وقدراتها. وأحترم، مع كلّ ذلك، لهجاتها من عهد القبائل إلى عهد الجهات والبلدان كما أحترم، في نفس الوقت، المتكلّمين بغيرها ما لم يخلطوا بين اللغات ويلحنوا في هذه أو في تلك إذا تكلّموا أو قرؤوا أوراقهم في المناسبات. وبناء عليه وجدت الحلّ . فإنّي لا أستمرّ في قراءة النصّ العربيّ بعد خمسة أخطاء في الأسطر الأولى والدقائق الأولى ما لم يكن واجبا مهنيّا أو تعهّدا تطوّعيّا، فلا ضرر عندئذ ولا ضرار إن حكّمت القلم الأحمر لإصلاح ما أفسده الدهر بالتقصير والجهل . ذلك لأنّ الأخطاء – ما لم تكن أخطاء المتعلّمين – وخاصّة إذا كانت أخطاء النخبة من بعض المثقّفين تزعج سمعي وتنغّص عليّ متعتي وتستفزّني فأستنكر وأندّد أو أسخر. وأنا لا أحتمل الإساءة إلى حبيبتي وملهمتي بما أنّي أتصوّرها أجمل ما في الدنيا بدءا بكلام الله وانتهاء إلى أدب العرب ممّا أنتجوه وترجموه. أتصوّرها في جمال عشتار وأفروديت وفينوس ذاتا مقدّسة واحدة بأسماء متعدّدة وتمثالا رائعا بأشكال متنوّعة في معابد مختلفة . فكيف أسكت عمّن يشوّهها من أحفاد ملّتها في نحوها وصرفها كان يصيب منها الحرف في نطقه واللفظ في إعرابه والجملة في نغمها والفقرة في معناها ومقصدها إن كان بالتصريح أو بالتلميح؟ وعاشق عربيّ مثلي في الوفاء والغيرة لا يسمح لأحد بأن يسيء الظنّ بالحبيبة أو يتطاول على حرمتها أو يكيد للنيل من شرفها. أنا ذلك العاشق اللّغويّ وحامي الحمى من أيّ اعتداء مع جنود أمثالي مرابطين بأبراج قلعتنا الأخيرة لتظلّ منيعة شامخة لا تطالها يد الفساد ولا تصيبها عيون الحسّاد طول المدى. ولكن من يستميت بعدنا غدا إذا ما الخطر استفحل والهجوم تضاعف على حدّ سواء من جهة الأعداء وزوايا العملاء؟