كنت من بين الذين تخوّفوا من المغالطة الكبرى التي عشناها راضين مستبشرين بها والتي عنوانها تطهير المساجد من التكفيرييّن ؟فما هو سبب هذا التخوّف من عمل في ظاهره رحمة ؟ نحن نعرف أنّ منابر المساجد قد استولى عليها بعد 2011 الأئمّة المتطرّفون في لباسهم وخطبهم من دعاة الفتنة وكان ذلك بدعم من النهضة ومباركة ومراقبة من دعاة الحركة الاخوانيّة العالميّة الذين تهاطلوا على بلادنا محرّضين على الخطاب المتطرّف البعيد عن الواقع التونسي و سماحة الإسلام الذي يوصي بأن ندعوّ الى سبيل الله بالموعظة الحسنة. فصارت المساجد وخطب الجمعة خاصة دعوة الى التقاتل واستعمال العنف والتسفير الى مواطن التوتّر نصرة للإخوان الذين ظنّوا أنّ حُلمهم سيتحقّق بالركوب على ما سميّ بالربيع العربي في كلّ مكان بدعم من أعداء الإسلام والأمّة العربيّة من القوى الاستعماريّة. وأمام هذا الوضع المتعفّن في المساجد بدأ المعتدلون من المصلين يهجرون المساجد أو يردّون على الأئمّة ويقاطعونهم أثناء خطبهم. كما تحرّك المجتمع المدني. وندّد بالزحف المقدّس على المساجد عندها جاءت الفكرة الجهنّميّة من النهضة التي هي كلمة باطل أريد بها باطل. وقد انساق الكثيرون عن حسن نيّة وساهموا في الدعوة الى مقولة «تطهير المساجد» فما النتيجة؟ حيث أنّ وزراء الشؤون الدينيّة كانوا بدون استثناء إمّا سرّا أو جهرامن النهضة فتمثّلتْ عمليّة التطهير في إنزال الأئمّة المتطرّفين الذين ملّهم الناس وتعويضهم بأئمّة هم من أتباع النهضة بتقيّة أنّهم من الإسلام الزيتوني. وقد حَدِقُوا كيف يتقرّبون إلى الناس ويدعون إلى النهضة باسم الدين. وصارت المساجد وعددها يفوق 7000 مسجد هي «شعب سياسيّة» تعمل بكلّ الوسائل الترهيب والترغيب وب»دسّ السمّ في الدسم» لخدمة النهضة. فهم يباركون ما تقوم به النهضة ويشهّرون و يكفّرون ما يقوم به منافسو النهضة السياسيون ويُطَوّعون الآيات القرآنيّة والأحاديث الموضوعة المؤيّدة للنهضة واستغلال الدين والمكفّرة لخصومها السياسييّن وصار المسجد الذي أقيم لذكر الله أهمّ مكان لاستقطاب الأتباع للنهضة. وهذا هو السبب الأوّل والأهمّ الذي يفسّر تفوّق النهضة في انتخابات 2011 واحتلالها المرتبة الثانيّة في انتخابات 2014. إذ تكاتفت جهود كلّ المجتمع المدني للوقوف في وجهها عن طريق نداء تونس. فهذا التلاقي المدني لم يوفّق إلّا في زحزحتها من المنصب الأوّل إلى الثاني. ثمّ هي استرجعت المكانة الأولى في الانتخابات البلديّة فماذا سيكون مصير تونس المدنيّة إذا دخلنا انتخابات 2019 والنهضة على ما هي عليه من استغلال للدين ومنابر المساجد. ونحن على ما نحن عليه من تشرذم يصل إلى مستوى التطاحن والتنافر؟ أنا لا أخاطب هنا الدساترة الذين صار من الصعب اليوم لمّ شملهم لأسباب عديدة يطول شرحها في هذا المقام. بل أخاطب كلّ الوطنييّن الذين يؤمنون بتونس وطنا يجمعنا. وفي المحافظة عليه حفاظ على قيّمنا وتقاليدنا و خصوصياتنا كشعب مسلم متفتّح لا يؤمن إلّا بالإسلام الذي ورثه عن آبائه إسلام لا قَولَ فيه يعلو على كلمة الله شعب لا يَسْتمع الى الائمّة والدعاة ولا يخافهم. إذ لا رهبانيّة في الإسلام. شعب لا يعبأ بأيمّة يتدخّلون في عمليّة مدنيّة بالأساس و يحرّضون الشعب ويهدّدونه بما يتنافى مع قيم دولة يحكمها دستور مدني وهي بدعة» الفتوى». نعم إنّ من حقّ المواطن أن يَنْزعج و تصيبه الرهبة عندما يستمع الى الأيمّة الذين صعَدْناَهم لمنابر المساجد عوضا عن المتطرّفين يدعون الى إصدار فتوى دينيّة ضدّ من يصوّت لفائدة قانون الميراث وكذلك من ينتخب من صوّت لقانون الانتخاب فلصالح من ستصبّ هذه الفتوى في انتخابات 2019؟أليس هؤلاء الأئمّة يعملون بالوكالة نيابة عن النهضة التي لا يسمح لها ما تظاهرتْ به من تطوّر وتفتّح وإيمان بمدنيّة تونس الاصداع به الآن؟ إنّي أعتبر هذا الحدث»الفتوى « قد أتتْ في وقتها حتّى تكون بمثابة ناقوس الخطر الذي قد يوقظنا من غفلتنا ويجعلنا نشعر كتونسييّن غير «مُتَخَونِجِين»بالخطر فنتقارب ونتضامن حتّى نحدّ مما سيُدَاهِمنا ويُداهم وطننا ومُكْتسبَاتِنا من مصائب عِشْناها بعد انتخابات 2011 أي زمن الحكم الإسلامي(فهو حكم إسلامي لا حكم التروكا كما يروّج لذلك) لتونس من توظيف للدين وفرض لهويّة مستوردة ليتمكّن الحكم الاخواني العالمي الذي فشل في كلّ أنحاء المعمورة والذي مازال اتّحاد الإخوان المسلمين يطمح في نجاحه في تونس لتكون المنطلق لتركيز الخلافة السادسة. لكن نقول لهم جميعا لقد أخطأتم الاختيار. فبذور الحداثة التي غرست في الشعب التونسي نساء ورجالا سوف تفشل مساعيكم وتحمي هذه التربة الطيّبة من شروركم. ونكون صفّا واحدا ونزداد التحاما عندما نعرف ما جناه الأئمّة على الإسلام على مرّ العصور. إذ ما لحق الإسلام طوال العصور من تأخّر واتّهامات باطلة بالإرهاب و ما لحق المسلمين من تناحر وتقاتل سببه الرئيسي هم الأئمّة الذين نصّبوا أنفسهم متكلّمين باسم الله في دين» لا رهبايّة» فيه. أقول هذا علّني أوقظ بعض الناس من غفلتهم ويعرفون حقيقة هؤلاء المُتَمعّْشِينَ بالدين. إنّ الأئمّة يسعون لِيتنَظَّمُوا كرهبان ظلامييّن سلفييّن. وقد الحقوا بالأمّة كثيرا من الأضرار بسبب فتاواهم الشاذة والمُثيرة للسخرية والتي جعلت العالم يضحك منّا وهو يفعلون هذا لنترك لهم الحقّ في التحكّم فينا وفي كل مظاهر حياتنا بما فيها عبادة الله.فكلّ واحد يَنْتَصِبُ كأنّه» إلاه» لا حقيقة إلّا ما يقوله هو إذ هو لا يمكن أن يخطئ وهذا أمر مخيف ويرعب البسطاء من الناس لذلك فلابدّ أن نتحرّر من الأئمّة ونقوم بثورتنا صدّ «رهبان الإسلام»وذلك بالتمسّك بحقّنا في مخاطبة الله والاستماع إليه مباشرة بدون وساطة وعبادته بأريحيّة المؤمن وبدون ضغوطات الأئمّة وشريعتهم. فالأئمة قضوا على شخصيّة الأمّة الإسلاميّة وجعلوها غير مؤهّلة لتعيش في عالم غزو الفضاء. وبسبب فتواهم حللنا التقاتل بيننا وشوهنا تاريخنا بالانقلابات الداميّة وأيَدْنا وبَارَكْنا العمليات الإرهابيّة المروّعة وتمزّقتْ شعوبنا بدعوات باطلة للجهاد بالفتاوى الإجراميّة الصادر عن أيمّة يعتقدون أنّهم يتكلّمون باسم اللّه و يطلبون منّا ان نستمع إليهم وهم يُحِلُّون ويُحرِّمُون ويَعِدُون ويتَوعَّدون في حين أنّ اللّه قال لنا إنّه يخاطب الإنسان مباشرة بدون واسط حيث مكّنه بما به يسمع ويبصر ويميّز وذلك في سورة الإنسان الآية الثانية إذ يقول تعالى «إنّا خلقنا الإنسان من نُطْفة أمْشَاج نَبْتليّه فجعلناه سميعا بصيرا» وحتّى تعلم النهضة وأيمتها والمتعاونين معها وكلّ إخوان العالم المراهنين على رجوع السلطة الى النهضة في تونس لتكون هذه التربة الطيّبة منطلقا لأحلامهم في تحقيق الخلافة أحيل هؤلاء جميعا على فقرة بسيطة في ألفاظها عميقة في معانيها صدرت عن أبّ المدنيّة في تونس والزعيم الذي صار حوله اجماع بعد 2011 الحبيب بورقيبة الذي قال :»لقد تركتُ تونس بعد أن زرعتُ فيها بذُور الحداثة والتقدّم والنَمَاء وحبّ الوطن لتزدهر جيلا بعد جيل وليتواصل نموّها وتتجاوز كلّ الصعاب والمحن التي يمكن أن تعترضها . وأنا على يقين أنّه سيأتي اليوم الذي ستعمل فيه فئة من المغامرين إلى نشر بذور الجهل و التخلّف و الرجعيّة ولكنّي متأكّد و مطمئنّ أنّهم لن ينجحوا ولن يحصدوا زرعهم لأنّ الأرض التي أنبثتْ الورود لن تنبث الأشواك من جديد ...» وهل بعد هذا البيان من كلام؟