إن تناول العلم من زاوية كونه حقا من حقوق الإنسان يمثل تناولا مباشرا لأصل الداء في هذه القضية. فالعلم يُتعامل معه من منطلق كونه حق البلدان المتقدمة فقط. أما العالم غير القوي والموصوف بالتخلف فهو لا يتمتع إلا بحق الاستهلاك العلمي أي أنه المستعمل لمنتجات العلم والمعرفة وحريف لها وسوق لا أكثر ولا أقل والحال أن إسهام العقول العربية في المنجز العلمي الإنساني مهم. السؤال لماذا يتم احتكار العلم والعلماء في الفضاء الدول المتقدمة ولماذا هناك حيطة من تكون أي قوة علمية في البلدان العربية؟ نحن هنا لا نتناول هذا الموضوع بخلفية تآمرية ولكن التاريخ على امتداد السنوات والعقود الأخيرة أظهر أنه هناك خط أحمر أمام تشكل حركة علمية في البلدان العربية ولا شك في أن الصراع العربي الإسرائيلي يقف وراء الخط الأحمر المشار إليه. ذلك أن توطيد علاقة العالم العربي بالعلم كفعل ممنوع لأن العلم سيقوي العالم العربي وقوته تمثل تهديدا والمصلحة تقتضي أن تظل صلة الفضاء العربي والإسلامي بالعلم مقطوعة ومعطوبة ولعل هذه المصلحة قد تضاعفت مع ظاهرة الإرهاب التي التصقت مع الأسف بالعرب والمسلمين مما جعل منا خطرا أكبر. يجب ألا ننسى اغتيال عالمة الذرة المصرية سميرة موسى عام 1952 واغتيال المفكر جمال حمدان. كما أن الحرب ضد العراق قد استهدفت العديد من العلماء العراقيين حيث ورد في مجلة «المشاهد السياسي» البريطانية كيف انطلقت عمليات تصفية علماء عراقيين منذ اليوم الثاني لسقوط بغداد وكيف أنه تم قتل 5500 عالما عراقيا خصوصا الذين رفضوا عروض المخابرات الأمريكية مع العلم أن العلماء الأكثر تصفية هم الذين ينتمون إلى اختصاصات النووي والكيمياء والهندسة والصناعة والطب. ويمكننا أن نستنتج أن البلدان القوية المتحكمة في العالم تريد لاختصاصات معينة أن تكون حكرا عليها ويمنع دخول العرب والمسلمين إلا إذا تحوّلوا إلى ملك خاص لهم وقطعوا روابطهم ببلدانهم. كما أن التصفية تشمل الذين يشتغلون في اختصاصات خطيرة مثل الذرة والنووي والذين يتعذر جذبهم لنادي الدول القوية الماسكة بزمام العلم والمتحكمة في مقاليده. في مقابل ذلك هناك استغلال للأدمغة العربية الذكية المبدعة فيتم جذبها وتوفير لها الظروف التي تسهل لها التعبير عن قدراتها وإنجاز محاولاتها ضمن بيئة علمية في منتهى التطور. ولكن هذه التسهيلات هي بمقابل والمقابل هو أن تستفيد منها دول الجامعات ومراكز البحوث العالمية المتبنية لتلك العقول. في هذا الإطار أصبح هجرة الأدمغة العربية ظاهرة حقيقية بصدد الاتساع ولقد استغلت البلدان المحتكرة للعلم غياب بيئات علمية في البلدان العربية وحماسة العقول العربية الواعدة بالعلم والابتكار والاختراع لظروف علمية تعمل على تحقق أفكارهم العلمية وتجاربهم. وهو ما يؤكد أن العقل العربي يسهم في التطور العلمي منذ سنوات. ولعل ما أوردته دراسات إحصائية قامت بها منظمة اليونسكو وجامعة الدول العربية تثبت ما ذهبنا إليه إذ يسهم العالم العربي بثلث هجرة الكفاءات من الأطباء مثلا. ويبلغ تعداد علماء مصر وأكاديمييها المقيمين في الخارج 86000 ألف عالم. وتشير تقارير ذاتها إلى أن 54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم. إذن بقدر رفض البلدان المتقدمة لهجرة العرب والمسلمين إليها بقدر الجهد الاستقطابي للأدمغة العربية والمسلمة وإغرائها بالعقود العالية القيمة المادية والظروف البحث العلمي الاستثنائية. المشكلة في بلداننا اليوم هو أن التنمية تتحرك دون علماء ودون بحث علمي ودون وعي بأن النجاح والتطور هو رهين إسهام العلماء والأدمغة القادرة على إنتاج الفكرة والعلم. فالتنمية في جوهرها إنتاج للعلم.