بعد تنفيذ إضراب الوظيفة العمومية والقطاع العام وفي ظل تلويح اتحاد الشغل بمزيد التصعيد إذا تواصل رفض الحكومة الزيادة في الأجور، ستجد الحكومة نفسها في موقف محرج بين التمسّك بالرفض أو التنازل. تونس – الشروق: لم تتوقف الأزمة بين الحكومة واتحاد الشغل حدّ اضراب 17 جانفي، حيث تواصل المنظمة الشغيلة التمسك بمطلب الزيادة في أجور الوظيفة العمومية ودخلت هياكلها منذ يومين في مشاورات جديدة للنظر في القرارات التصعيدية التي ستتخذها في المرحلة القادمة. وفي المقابل لم تُبد الحكومة إلى حد الآن أي موقف يرجح فرضية الاستجابة لهذا المطلب.. تصعيد المراقبون توقعوا أن هذا التمسّك قد يكون متبوعا بأشكال احتجاجية أخرى في صورة عدم استجابة الحكومة، على غرار عدم الاقتصار على اضراب يوم واحد فقط بل التوجه نحو اضراب عام مفتوح على امتداد أيام أو اضرابات قطاعية مفتوحة قد تشمل المجالات الحيوية والحساسة مثل النقل والصحة والتعليم والتزويد بالمواد المعيشية والحيوية والخدمات العمومية المختلفة أو اضراب شعبي عام يشمل القطاعين الخاص والعمومي، فيما حذر البعض من امكانية مرور الاتحاد إلى ما يُعرف ب«العصيان المدني». ضغط ثلاثي ووضعية صعبة إذا حصل ذلك ستجد الحكومة نفسها في وضعية صعبة للغاية وتصبح بالتالي تحت ضغط ثلاثي: -مزيد الضغط والتصعيد من الطرف النقابي للمطالبة بالزيادة في الاجور. -ضغط واحتقان وغضب المواطن جراء ما قد يصيب الخدمات العمومية من شلل. -تواصل ضغوطات صندوق النقد الدولي الذي يرفض إلى حد الآن أية زيادة في نفقات أجور الوظيفة العمومية.. هذا إلى جانب الضغوطات المالية التي ستحصل نتيجة ما ستتكبده المالية العمومية من خسائر ستعطل حتما السير العادي لعمل الحكومة، فضلا عما ستجنيه صورة تونس في الخارج نتيجة ما قد يحصل من تعطيلات للمعاملات الدولية المختلفة. أي مخرج؟ أمام هذه الوضعية الصعبة والمحرجة تُطرح تساؤلات عديدة حول «المخرج» الذي ستحاول الحكومة إيجاده لتجاوز الازمة بأخف الأضرار وذلك إما عبر مواصلة رفض الزيادة في الأجور أو الاستجابة لمطالب اتحاد الشغل. وفي كلتا الحالتين سيكون «الخروج» صعبا حسب أغلب المراقبين والمتابعين. فالرفض سيضعها أمام ضرورة تحمل مسؤولية ما قد ينجر من تبعات في ما بعد خاصة من الناحية المالية بسبب الخسائر التي ستحصل نتيجة التحرّكات المختلفة ومن الناحية الاقتصادية بسبب ما سيصيب المعاملات الاقتصادية الداخلية والخارجية من شلل وما سيتبعه من مس بصورة تونس وبترقيمها السيادي. كما انه من الناحية الأمنية ستكون أيضا مطالبة بتحمل مسؤولية ما قد يحصل من «انزلاق» نحو الفوضى بمناسبة التحرّكات الاحتجاجية. وعلى الصعيد الاجتماعي ستكون الحكومة مطالبة ايضا بتحمل مسؤولية توفير حد أدنى من الخدمات العمومية الأساسية في صورة تعطلها نتيجة الاضرابات، حتى لا يحصل احتقان شعبي بين الناس. أما القبول، أي الاستجابة لمطلب الزيادة في الأجور، فسيجعل مسؤوليتها «ثقيلة». فالمبلغ الذي ستوفره لتلبية مطلب الزيادة سيتسبب حتما في مزيد الضغط على المالية العمومية وعلى الميزانية بشكل عام وهو ما سيجعلها أمام مسؤولية البحث عن حلول بديلة من أجل توفير اعتمادات مالية إضافية. ومن هذه الحلول مثلا البحث عن قروض جديدة وما قد يتسبب فيه ذلك من مزيد إغراق البلاد بالديون، أو مزيد الترفيع في الموارد الجبائية عبر احداث ضرائب إضافية للأفراد والمؤسسات وما قد يتسبب فيه ذلك من مشاكل، او عبر التفويت في مؤسسات عمومية وهو ما قد يزيد من توتر العلاقة بينها وبين اتحاد الشغل، أو عبر مزيد التقشف في نفقات الدعم وهو ما قد يثير مشكلا اجتماعيا لدى الفئات الفقيرة والهشة.. تفاوض وتنازلات قالت الحكومة أن باب التفاوض لم يُغلق نهائيا مع اتحاد الشغل وهو ما أكّده وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي والناطق الرسمي باسم الحكومة، ويقول اتحاد الشغل بدوره أن أياديه ممدودة للحكومة لمزيد التفاوض. وقد اعتبرت أغلب الأطراف السياسية أنه لا خيار أمام الطرفين غير مزيد الحوار والتفاوض من أجل الوصول إلى حلول وسطى ترضي كل منهما. غير أنّ ذلك سيفرض حتما تقديم كل منهما تنازلات. فالحكومة مطالبة بتوضيح مقترحاتها على غرار مقترح تقديم الزيادة في شكل إعفاء ضريبي الذي كان غامضا ويخشاه الاجراء وايضا توضيح مسألة الزيادة للمتقاعدين بشكل نهائي. ومن جهته فإن اتحاد الشغل سيكون مطالبا ايضا بمراعاة وضعية المالية العمومية من حيث المبلغ المالي المطلوب للزيادة خاصة ان وزير الشؤون الاجتماعية صرّح بان الاتفاق كان على وشك الامضاء لان العرض الذي قدمته الحكومة لم يكن مرفوضا رفضا مطلقا من الاتحاد لولا سوء تفاهم في اللحظات الاخيرة.. أبرز المخاطر في صورة رفض الزيادة في الأجور التصعيد نحو اضراب مفتوح لعدة ايام في الوظيفة العمومية والقطاع العام اضرابات قطاعية مفتوحة شلل في الخدمات العمومية وما قد يرافقه من احتقان وغضب شعبي شلل اقتصادي على مستوى المعاملات الداخلية والخارجية وما قد يتسبب فيه من خسائر مالية للدولة وتشويه لصورة تونس في الخارج ومن تأثير على الترقيم السيادي.