تعدّ القمّة العربية الاقتصادية التي شهدتها العاصمة اللبنانيةبيروت مؤخرا أفضل اختزال للمشهد العربي الراهن. مشهد عبّر عنه مستوى الحضور وأساسا عدد الرؤساء والملوك العرب الحاضرون وعبّرت عنه كذلك القرارات المتخذة ومدى قوّة التنفيذ التي تحظى بها. القمّة بدأت في صمت وبلا ضجيج يذكر وانتهت في صمت وبعيدا عن الأضواء وكأنما كانت مجرّد عبء تخلّص منه العرب بإعلان عقده... أو أن الأوضاع العربية الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية لم تكن تحتاج جملة من القمم لمحاولة تسوية جبال المشاكل والمآسي والتعقيدات التي تضرب الأوضاع العربية في كل المجالات. لماذا يتداعى العرب إلى قمّة اقتصادية في هذا الوضع العربي بالذات؟ وقبل ذلك هل يتوفر حد أدنى من الظروف الموضوعية لنجاح أو لإنجاح أي عمل عربي مشترك؟ وهل يمكن توقّع إحراز أي اختراق في ظل غياب حد أدنى من المصداقية وحتى الإرادة السياسية التي تجعل الأنظمة العربية تمضي على درب تحقيق شيء مشترك؟ يعلم القاصي والداني أن المشهد العربي المتشظي بما فيه من خلافات ومن صراعات تصل حد الحروب بشقيها البارد والساخن لا يوفّر ظروفا دنيا لإنجاز أي شيء مشترك. ذلك أن الانقسامات والخلافات التي تعصف بالبيت العربي في هذه الفترة بلغت درجة من الحدة يصبح معها توقع أي قدر من النجاح للعمل العربي المشترك ضربا من الوهم ونوعا من مطاردة السراب... فالجرح السوري لا يزال ينزف، وكذلك الجرحان اليمني والليبي وكلها جراح تنخرط فيها أطراف عربية. والجرح الفلسطيني يزداد تعكرا بين انقسامات الداخل الفلسطيني ومصالحة وطنية لا تأتي وبين بوصلات عربية تتغيّر وتتغيّر معها وجهة الصراع من صراع مع العدو الصهيوني إلى صراع مع إيران وتنظيم حزب الله. وكل هذه جراح تضع شقا من العرب في مواجهة شق آخر وهو ما يفضي في نهاية المطاف إلى رسم لوحة سريالية يصعب معها توقّع حدوث أي اختراق لقمة اقتصادية يدرك القاصي والداني أن ما يديرها ويحرّكها هو السياسي... بل إننا نكاد نقول أن الأمزجة والأهواء هي التي تحكمها وتسطّر مآلاتها. فهل من الحكمة إذن التحرك في اتجاه قمة اقتصادية كما لو كان الوضع العربي سليما معافى؟ وهل من حسن التدبير والتصرف الاكتفاء بالتعويل على النوايا الحسنة وعدم التحرّك سواء على صعيد الأمانة العامة للجامعة العربية أو على صعيد دول محورية على الساحة العربية في اتجاه تنقية الأجواء وتأمين حد أدنى من التفاهم يعيد للعمل العربي المشترك معناه وجدواه؟ رغم الجهود الخيّرة التي بذلتها لبنان لتأمين انعقاد القمة الاقتصادية ورغم الحرص على ضمان حسن سيرها رغم المستوى المتدني للتمثيل العربي بما يشكل ضربة قاصمة لها، فإنّ القمة الاقتصادية كانت بمثابة الحدث العابر أو بمثابة الحجر الذي ألقي في بركة المياه العربية الآسنة. وإذا كان لها من نجاح فإنه يتمثل في كونها تفتح عيون العرب وعقولهم على مآلات القمة الدورية المرتقبة في تونس... والتي يتوجّب الإعداد لها جيدا حتى لا تكون مجرد حدث عابر وحتى لا تكون في حال فشلها لا قدر الله إيذانا بقبر شيء اسمه العمل العربي المشترك.