الدكتور سامح مهران هورئيس المهرجان الدولي بالقاهرة للمسرح التجريبي وتم تكريمه في الدورة الفارطة ضمن تظاهرة ايام قرطاج المسرحية وشغل مناصب عديدة في مجال المسرح. القاهرة «الشروق»: فقد تولى رئاسة أكاديمية الفنون و كان رئيسا للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية وكتب عديد الاعمال المسرحية الهامة منها «المعجنة « و»الطوق والاسورة» التي قام بصياغتها درامتورجيا عن نص ليحي الطاهر عبدالله وفازت بجائزة السلطان بن محمد حاكم الشارقة ضمن هذه الدورة لمهرجان المسرح العربي. مع هذا الدكتور صاحب الكتابة الجدلية الجامعة مابين عالم النظريات الفلسفية وعالم الحياة الشعبية والفنان الذي يحسن اعادة بناء الواقع انطلاقا من طين الفكر و ماء الحياة اليومية كان اللقاء التالي : من خلال المعجنة نلاحظ انك صاحب اختيارات فنية مغايرة عن السائد فكرا وشكلا ؟ من يتابع اعمالي منذ سنوات يعرف انني ضد البنى الرئيسية اذ تتحول البنية الأبوية الى بنى فوقية ديالكتية مع مزج بالطابع الملحمي والكوميديا فأنا مؤمن بمقولة « اذا أردت أن تقول الحقيقة قلها بشكل ضاحك والا قتلوك ومن خلال هذه البنيوية نعرض كل التحولات التي شهدها المجتمع المصري. هي لعبة تخف او تضليل؟ قمنا بعملية تضليل من الاب الواقع الى الجنس الى الاب الديني الذي يمزج الديني بالخرافي ثم الخرافي الذي يريد اختطاف فرعون ويسجنه داخل هرمه. يقوم منهجك على نظرية « قتل الاب»؟ ليس قتل الاب بقدر ماهو نقد البنية الابوية لان ابي كان رجلا ليبراليا ومتفائلا بالحياة وكنت دائما أوضح انه لا مشاكل لي في هذه الناحية وانما تهمني عملية النقد وأعشق المزج لصنع عالم مسرحي قريب من الواقع ولكنه يتعالى نقدا ومرجعا كيف يتقبل المصري العادي اعمالك بما فيها من جرأة شكلا ومضمونا؟ الحقيقة ان التلقي درجات وهناك قاعدة نقدية أساسية تقول ان وصول المعنى النهائي للعمل لا يعتمد على مهارة صناع العرض وانما على مهارة المتلقي ،المخرج هنا لعب دورا وهو تسهيل المعنى عبر تحويل المسرحية الى مسرحية غنائية هناك مزج سحري بين الافكار والواقع فانزاحت المسرحية عن المنبر الايديولوجي و عن دور المراة المسطحة : حدثنا عن المعادلة؟ هي الحياة مزج موزون والمزج في المسرح يسهل الاستيعاب ورسائل العرض النهائية تم تغييرها في نهاية المسرحية وانا لم اعترض لانه مخرج شاب ونحن نحتاج الى مخرجين شباب يتسلمون دورهم فوق خشبة المسرح وهذا النوع من المسرح يستقطب حساسية الشباب اكثر في التعاطي معه لان هناك مخرجين كبارا ثبتوا على قوالب هم يجيدون العمل فيها وبالتالي لم يتجددوا فنيا ولم تتغير حساسيتهم المسرحية كأنك الحلقة مابين الجيلين؟ هذا صحيح وأنا اعتبر نفسي قناة تواصل بين الجيلين عبر ما أكتبه وأنا دائما أنصح الكتاب ان يستخدموا قاعدة هي في الأصل شعار التنظيم الأسري عندنا وهي «أنظر حولك»فلو نظر الكتاب حولهم سنتجه الى اتجاهات اخرى تماما. في هذه المرحلة من تاريخ المسرح نلاحظ تحولا على مستوى التنظير الفلسفي وكأنه أفلت من المراجع القديمة وثار عليها رغم محاولات اقحام البعض لخطابات قديمة عنوة في المسرح ؟ هذا صحيح فكل المنظرين للمسرح كانوا فلاسفة فأرسطو فيلسوف وفي القرن السابع عشر أثر ديكارت وبسكال وفلاسفة الجنسانية فقاعدة العمل الدرامي كانت الحبكة في العصر اليوناني ثم تحولت الى الحوار مع النهضة ثم قاعدة العمل الدرامي تحولت الى الشخصية الرومانسية ثم تموت الشخصية في مسرح العبث وما بعد العبث وتغير الأمر وكل هذا التحول تحكم فيه فلاسفة وميزة مابعد الحداثة هي التجاور وهو ماأوجد فسيفساء خطابية لان هناك تصدعات في البنية الغربية بشكل عام : تصدع بين الديمقراطية والرأسمالية أي تصدع بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي , تصدع بين المواطن والبرجوازي وتصدع بين مجتمع التجربة ومجتمع الاعتقاد . تصدع بين العلم والسعادة ولم يعد العلم مصدرا للسعادة الانسانية ثم تصدع بين الممثل والشخصية وهو ماأوجد البارفورمونس .أوجد المؤدي الذي يمزج بين الذات والموضوع اذن نحن أمام عالم مغاير تماما لا يستطيع أحد ان يدعي انه يمسك بخيوط اللعبة. المسرح العربي: هل هي عبارة سليمة منشأ وتنظيرا؟ هناك اشكال سبقت المسرح واستلهم منها المسرح العربي بداياته لكن المسرح في صيغته الحاليه هو صيغة غربية وفي اعتقادي ان المسرح كان دائما منحازا:ففي المسرح اليوناني كان منحازا للمدينة على القبيلة ..للفضاء المديني على الفضاء الاسطوري وفي القرن السابع عشر ونتيجة الصراع بين ديكارت وفلاسفة الجنسانية كان هناك مسرح مطابق للوعي ومسرح مغاير للوعي وفي القرن الثامن عشر ستجدين مسرحا يحتل مكان الدين وصولا الى القرن التاسع عشر الذي أثر عليه نتشه تأثيرا كبيرا وبدأ يخط خطوطا مختلفة واعتقد ان ارتو احد امتدادات فكر نتشه . كيف تصف مسرح ما بعد التحولات العربية وهل تعتقد انه تراجع مقارنة بقوة ما يحدث في الواقع؟ الفنان المسرحي العربي ظل يطالب بتغيير الاوضاع وعندما تغيرت الاوضاع شعر بالخوف فتراجع عن ثوريته لان الثورات في اعتقادي تأتي الآن بنتائج عكسية فنحن لا نعيش عصر الثورات نحن في عصر الاصلاح الدستوري والقانوني فالقوانين التي تسن لصالح الغالبية يجب ان تفرض لنصل الى مجتمع مختلف. وكأنك تشرّع لمقاربة أمنية تكون بقوة الفرض : هل ينسجم هذا مع صفتك كفنان ينادي بالحريات؟ هذا غير صحيح فأنا كفنان يطمح الى تحويل البنى الرئيسية الى بنى فوقية أحتاج الى قوانين والقوانين الموجهة الى صالح الاغلبية الشعبية يجب ان تفرض والا سيكون البديل هو الفوضى ثم من سيقود هذه الثورات فالنخبة لا تقود الثورات بل تدافع عن مصالحها . هذه التحولات خلقت تغييرا داخل صراع الطبقات؟ فعلا الصراع الطبقي اصبح داخل الطبقة الواحدة ففي العائلة الواحدة يمكنك ان تجد عنصرا قد اصبح رأسماليا والاخر أخوانيا او داعشيا او من الاغنياء الجدد..وهو ماخلق الفوضى وللعلم ان الطبقة الوسطى العربية اغلبها برجوازية بيروقراطية لا تجد حلا الا في الدولة.