تونس «الشروق»: تأكّد الآن، أنّ المشروع الجديد لرئيس الحكومة يوسف الشاهد قطع مع فكرة افتكاك «نداء تونس» واختار فلسفة التأسيس، وهذا عنصر مهم جدا، من حيث أنّه أوضح حدود اللعبة بين رئيس الحكومة وحزبه القديم، وبينه ورئيس الجمهوريّة، فلم تعد هناك علاقة انتماء حزبي بين الشاهد ونداء تونس والذي يُحافظ الباجي قائد السبسي فيه بصفة الرئيس المؤسّس الحريص على تنظيم مؤتمره الانتخابي الديمقراطي خلال شهر مارس القادم. ليست بالحزب وأقرب إلى الجبهة في فلسفتها العامة تبدو «تحيا تونس» ليست بالحزب كما هو معهود في التعريفات الكلاسيكيّة، فهي أقرب إلى الحركة منه إلى الحزب، بل إنّ الرسائل الأولى التي أطلقها المؤسّسون تُوحي بإمكانيّة الذهاب بهذا المولود إلى ما هو أوسع من الحركة وصولا إلى الجبهة الانتخابية فجبهة للحكم معا بعد موعد 2019. فالمشروع الجديد يستعيد بشكل أو بآخر فكرة الروافد، التي انبنى عليها نداء تونس عند انطلاقته، اي التعويل على أهم التيارات السياسية والفكرية ومنها خصوصا اليسار والدساترة والتجمعيّين واستدعاء الرافد النقابي، وقد لُوحظ في إجتماع المنستير الأخير حضور حضور ممثلين لجلّ هذه التيارات مع وجود أيضا بعض الوجوه النقابيّة. والواضح أنّ ما تمّ الإعلان عنه الأحد الفارط في مدينة المنستير ليس سوى لبنة أولى في سياق توجّه استراتيجي لتجميع قوى أخرى، منها أحزاب باتت معنيّة بدعوة واضحة للالتحاق، على غرار آفاق تونس وتونس أوّلا والبديل التونسي، ومنها ايضا شخصيات وطنية منها منذر الزنايدي والفاضل عبد الكافي. انسجام مع مرزوق ومرجان في هذا السياق يبدو أنّ حالة من الانسجام قد تواجدت بعد بين «تحيا تونس» و«حركة مشروع تونس»، وهناك حديثٌ مؤكد عن جلسات عمل مشتركة قريبة لبحث سبل التقارب، ما إذا كان اندماجيا أو تحالفا انتخابيا أو في الحكم لاحقا، كما أنّ الصِّلة وثيقة بين «تحيا تونس» و«حزب المبادرة»، وكان منطلقها الإئتلاف الحكومي والتحاق كمال مرجان بالقصبة. وفي هذا المستوى يُمكن التحقّق من صحّة ما راج في فترات سابقة من وجود خطة استراتيجية ترعاها حركة النهضة وتدفع إليها منذ انقطاع التوافق مع نداء تونس والرئيس السبسي عمادها بلورة رؤية للحكم المشترك لعشريّة قادمة بين النهضة ومرجان والشاهد، على أن يتمّ لاحقا ترتيب المواقع في الحكم بين القصبة وقرطاج وباردو على ضوء ما ستُفرزهُ اتفاقات ما قبل الانتخابات حول مرشّح رئاسي توافقي، وما بعدها، أي على ضوء الحصاد الانتخابي البرلماني. رؤية استراتيجية وعقبات لكن هل ستكون الطريق سالكة نحو تنفيذ هذه الرؤية الاستراتيجية وتجسيدها على أرض الواقع في ظل تواصل معالم الصراع الخاطئ على السلطة وأيضا محاولة تخليق أو صناعة المشهد السياسي عنوة عن منطق التصعيد عبر صناديق الانتخاب القادرة وحدها على توضيح الأحجام الانتخابية وشعبيّة الأحزاب. فأصحاب هذه الرؤية يستشرفون من الآن فوزا انتخابيا سيُمكّن من مواصلة البقاء في السلطة أو التحكّم في أهم مفاصلها، تماما بالصورة التي هي عليها الآن، أي بنفس مكوّنات الإئتلاف الحكومي الحالي. هناك رأي خافت يقول أنّ «ولادة تحيا تونس» كانت عسيرة وصعبة ومحكومة لعدّة إكراهات برغم ما يحاول أن يُظهره مؤسّسوه من امتلاك قوّة المال (اجتماع صفاقس حضره مائة من رجال الأعمال) والإعلام والاستفادة قدر المستطاع من الوهج والجاه المتأتيان من الموقع الحالي ليوسف الشاهد في السلطة. ومن أبرز الإكراهات او الضغوطات الواقع تحتها حاليا هذا المشروع الجديد تعويله على وجوه خبرها الناس بفشلها وتنقلاتها الحزبيّة والسياحة البرلمانية وهي تتسابق اليوم لأخذ موقع متقدّم، ربّما يكون ضررها أكثر من نفعها لمشروع ناشىء من المفروض أن يدفع الى صفوفه الاماميّة وجوها قادرة على تأمين الصورة الإيجابية لا استنساخ الصور القديمة السيِّئة. يُضاف الى كل هذه الإكراهات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحالة التوتّر العام في البلاد وعجز الحكومة عن مجابهتها، وأيضا عدم تلاشي الحزب الأم، أي نداء تونس، الذي ما يزال في تقدير كثيرين قادرًا على المناورة وتعطيل مشاريع خصومه، ومنهم خاصة الذين يعملون على نفس أرضيّة الروافد وتجميع القوى الحداثيّة الوسطيّة، بل إنّه ربّما سيمتلك ورقة إضافية لصالحه وهي «ورقة ضدّ النهضة» والتي سيكون «تحيا تونس» امام جهد اطفائها أو التقليل من تأثيرها الانتخابي المنتظر لفائدة ما يردده مؤسسوه من اعتبار النهضة منافسا سياسيا وحليفا استراتيجيا.