جميعا نأمل غدا أفضل بدعائنا المعبّر عن تخوّفنا من المستقبل المعتّم: «ربّي يقدّر الخير». ولكنّنا نختلف في الطرائق مع إيماننا «بأنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم». وتغيير ما بالأنفس هو تغيير العقليّة من التواكل - المخالف للتوكّل – إلى المبادرة والسعي والجدّ والعمل مهما كان نوع العمل وموقع العامل. ولكن للأسف نحن متفاوتون في درجات الوعي بهذه الضرورة التي حتّمتها الظروف اليوم بأكثر وأخطر من أيّ وقت مضى . والحال أنّ أكثرنا يعوّل على الآخر ويلقي بالمسؤوليّة، مسؤوليّة الأزمة والحلّ، إلى الطرف المقابل كالقذف بكرة القدم حيثما اتّفق . وما أكثر أمثالنا الشعبيّة الدّالة على عيوبنا التي تتصدّرها الأنانيّة واللاّمبالاة أسوة، غير حسنة، بمن قال: «اخطأ راسي واضرب « و»شنقة في جماعة خلاعة»! وما أبرعنا في التحليل والجدل في السياسة كما في الرياضة. حيث يصبح كلّ متحدّث في المقهى أو عبر الإذاعة والتلفزة فارسا مغوارا لا يشقّ له غبار، وعبقريّا ممسكا بعصا سحريّة، وخبيرا في جميع المجالات والمسائل، فتحسبه مفتاحا لكلّ مشكل بين الحكومة وبين المواطن أو بين الأحزاب والنوّاب ! وكم من خبير اقتصادي تسمعه واصفا الوضع ومقترحا الحلول فتتمنّى له التمكين من السلطة لنحجّ على يديه كما يقال ؟ وقد جرّبنا عيّنة من المتكلّمين في وزارات حسّاسة فكذّب التطبيق والممارسة الأحلام والخيال حتّى ازدادت الأوضاع تردّيا وازداد الفساد تفشّيا. فمن نصدّق ؟ لقد تابعت وسمعت وأنصتّ إلى حدّ الصداع على أمل النجاة من متاهة هذه السنوات. وأخيرا قرّرت اللطف برأسي والمنعة بقلبي فهجرت مقعدي أمام التلفزيون ولجأت إلى وسائط وأمور من أبعد ما يكون، هي الأشرطة الوثائقيّة عن الحضارات القديمة والكون الفسيح عسى أن أنسى الواقع المرير الذي لا يبشّر بخير مهما تفاءلنا ومهما دعونا . ولو نظرنا أمامنا، بدل البحث بعيدا، لوجدنا الحلّ الوحيد، ألا وهو العمل، ولاشيء غير العمل بحبّ وإخلاص للوطن . ولكنّه ليس بالحلّ السهل ولا هو بالأمر المحظيّ بالتوافق . ذلك لأنّه، وللأسف، قليل منّا يعمل هضيم الحقوق، وكثير منّا لا يعمل ويتمتّع بأشكال الامتيازات كأنّه من مواليد ليلة القدر . ومثل وضعنا هذا صالح لفئة وضارّ بأخرى. فهذه تريد التغيير وتلك تريد الاستمرار، وما بينهما تجاذب واتّهام. كم عدد الاعتصامات والإضرابات من يوم اندلاع الثورة «المجيدة» باسم الحرّية والعدالة والكرامة الوطنيّة ؟ وإلى متى سيتمطّط هذا الانتقال الديمقراطي المرير المتأثّر بنزوات الهيئات المستقلّة العديدة التي استفحلت قوّتها على حساب سلطة الحكومة وإرادة الشعب وبعض نوّابه المبجّلين عليه وحتّى على القانون حتّى صار كلّ مؤقّت دائما ؟ وكم عدد النوّاب والوزراء وكتّاب الدولة والمستشارين من مباشرين ومن متقاعدين تتحمّل الميزانيّة تكاليفهم الباهظة ويدفع الشعب الكريم «فواتير» فشلهم على مسرح المهزلة المبكية لكثرة الهمّ الأزرق ؟ فلمن نقول في ذكرى الثورة : «ارحل»؟