كنّا نظنّ أن المشاحنة والتشاجر والعراك، ثم أحيانا الفتنة بين الرؤساء والأمراء والملوك أصحاب الفخامة والسمو والجلالة هي من اختصاص العرب و مقصورة عليهم بحكم عاطفيتهم الجياشة وضعف ثقافتهم العقلانية وخصوصا حداثة عهدهم بالدولة ونواميسها إذ لا يزال أكثرهم يسحبون وراءهم عقليّة بدويّة لا تعترف إلا بالبطن والفخذ والعشيرة والقبيلة وتتغيّر مزاجاتهم بتغيّر الفصول فتتفجّر الحروب وتُخرّب البلدان وتُقتّل الأرواح. أنظروا العراق، تأملوا في سوريا، شاهدوا اليمن... كنّا نظنّ أن الأمر خاص بنا نحن العرب، لكن يبدو أننا أخطأنا. فهاتان دولتان كبيرتان، عريقتان، قويتان، متقدمتان، ضاربتان في التاريخ والحضارة، أساسيتان في البناء الوحدوي الأوروبي يتشاجر ويتعارك قادتاهما كما يتشاجر ويتعارك قادتنا العرب. فرنساوإيطاليا من المؤسسين الستّة للاتحاد الأوروبي، بلدان متجاوران مشتركان في التاريخ والثقافة والمصير، تفصل بينهما جبال الآلب التي قطعها قائدنا القرطاجني حنبعل على ظهر فيله، وتجمع بينهما مصالح تُقدّر بأكثر من مائتي مليون أورو يوميا. أصل الخلاف بين البلدين يعود إلى عدم وقوف فرنسا إلى جانب إيطاليا في أزمتها الطويلة مع المهاجرين السريين، والتي كانت نتيجتها وصول اليمين الشعبوي إلى سدّة الحكم في إيطاليا وهو ما لم يستسغه الرئيس الفرنسي الذي تحدّث عن «داء الشعبوية في إيطاليا». ولم يتأخّر ردّ المسؤولين الايطاليين اذ صرّح نائب رئيس الحكومة لويدجي دي مايو واصفا الرئيس الفرنسي بأنه الأسوأ في تاريخ فرنسا وذلك قبل أن يستقبل وفدا عن «السترات الصفراء» ويعبّر لهم عن دعمه، وهي القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت الرئاسة الفرنسية إلى استدعاء سفيرها في روما للتشاور.المعركة ستتواصل وهي تتجاوز في الحقيقة المزاجات الشخصية لبعض القادة لتطرح إشكالات أخطر تتعلّق بتراجع الأحزاب الكبرى ذات المرجعيات الفكرية، ومسألة إدارة الهجرة وعلاقة شمال المتوسّط بجنوبه، وبتصوّر المستقبل الأوروبي وسياسته الاقتصادية وعلاقته بجيرانه... كل ذلك يجعل من هذه المعركة بين فرنساوإيطاليا معركة جهة المتوسط كلّها وبالنتيجة معركتنا.