كيف ننهض أو كيف نتقدّم ؟ سؤال طرحه المصلحون منذ أواخر القرن التاسع عشر، وطرحه الوطنيّون منذ أوائل الاستقلال، في أواسط القرن العشرين ، ويطرحه من جديد الحاكمون المعاصرون . وتختلف الأجوبة عنه باختلاف المواقع والمجالات و الأحزاب و التكتّلات . وللمثقّف في الأمر رأي مخالف أصلا وعادة لرأي السياسي ورأي «الشيخ» . وأنا شخصيّا ، وبتلك الصفة – صفة المثقّف – يعنيني الشأن العام باسم المواطنة و الوطنيّة و بدافع الواجب و المسؤوليّة . لذلك يحقّ لي ، بل يستحسن منّي إبداء الرأي تعميما للفائدة في شكل خمس وصايا أرجو لها الحظوة لدى القارئ و السامع و الاعتبار لدى المقرّر و المنفّذ. الوصيّة الأولى تبدأ بالنقد الذاتي تقييما للماضي بما أنجز فيه ممّا نجح أو فشل اجتنابا لتكرار نفس الأخطاء في حال ضعف الذاكرة . والنقد الذاتي أفضل من نقد الآخر لنا وهو الذي لا ينفع وقد يضرّ إذا مدح وجامل أو انتقد وتألّب . وقد اعتدنا خطأ الاستشهاد بما يعجبنا والتشهير بما يغضبنا من أقوال غيرنا فينا . الوصيّة الثانية تخصّ الاستشراف و التخطيط لتوضيح الرؤية وتحديد المراحل والطرق والوسائل و التكاليف. وقد اعتدنا للأسف سياسة الخلاص اليومي دون الإعداد للغد ودون تواصل برامجي في إطار التداول على السلطة و المسؤوليّة. الوصيّة الثالثة تؤكّد على الكفاءة في التكوين و التعهّد بالرسكلة مواكبة للمستجدّات من المعارف و التقنيات واستفادة من مختلف الخبرات في الداخل والخارج ، وفي جميع المجالات . وذلك يكون بالتعاون و التنسيق بين مختلف المؤسّسات التعليميّة و الثقافيّة والإعلاميّة . الوصيّة الرابعة تدعو إلى المتابعة و الرقابة و التعديل و المحاسبة في كلّ مرحلة نظرا لما بين النظريّة و التطبيق و اعتبارا للفوارق الجهويّة و البشريّة وحتّى الطبيعيّة . وذلك في إطار اللاّمركزيّة القريبة من المواطن و المسهّلة للقرار و المسرّعة للإنجاز مع اعتماد الشفافيّة و ما يترتّب عنها من الصراحة بحقيقة الحال و التصريح بمواطن الداء ومعاقبة أهل الخيانة والفساد علانية عبرة لمن يعتبر وحماية للمصلحة العامّة ودفاعا عن الوطن من أيّ ضرر من أبنائه أو من أعدائه . ويقابل هذا تشجيع الصادق في القول و المخلص في العمل أسوة لأكثر ما يمكن من المجتمع . أمّا الوصيّة الخامسة – وهي خاتمة الوصايا وأنبلها و أعمّها – فتشترط للنجاح في كلّ ما سبق الإيمان بجملة من القيم الروحيّة و المدنيّة في شكل ميثاق أخلاقي يجمع الجميع على اختلاف المذاهب و الرؤى و الأحزاب والمصالح و يضمن الحدّ الأدنى من التوافق و التعامل على أساس الغاية الشريفة التي هي نكران الذات أمام الوطن ذودا عنه وتضحية في سبيله وتفانيا في خدمته . وهذه الغاية منوطة بالتربية المدنيّة من المدرسة و المعهد إلى دار الثقافة و الشباب إلى الإذاعة و التلفزة و الصحافة . وهي غاية رهينة إصلاح منهجي لتلك الأطر و الوسائل، إصلاح يجعلها فاعلة في العقول على أساس المنطق ومؤثّرة في النفوس بروح المحبّة . " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " صدق الله العظيم.