يبدو أن في غزة كل ذلك، ولذلك فإن مخططات خطيرة تجري لتختزل فلسطينبغزة أو لصيرورة فلسطين والدولة التي يتحدثون عنها مجرد كيان سياسي في قطاع غزة . ولا شك أن كل فلسطيني بل كل من يحمل مشاعر إنسانية إلا ويتطلع الى رفع الحصار عن غزة والى أن يعيش أهل غزة حياة كريمة يستحقونها. ولكن نتمنى على حركة حماس الحاكمة في غزة أن تعمل على ألا يكون ثمن رفع الحصار عن غزة تكريساً لعملية الفصل بين غزة والضفة، وألا يتم توظيف معاناة أهل غزة لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالدوافع الإنسانية، وأن تستدرك الأمر وتقطع الطريق على مخطط فصل غزة عن الوطن الفلسطيني. ولا يعقل أن تكون الهدنة مع العدو ممكنة والمصالحة الوطنية غير ممكنة. لا نريد لأهلنا في قطاع غزة أن يدفعوا ثمن غياب استراتيجية عمل وطني للمقاومة، وغياب استراتيجية سلام حقيقي وثمن تعطل مسلسل التسوية. ولكننا لا نريدهم أيضا أن يكونوا حقل تجارب للسياسات الأميركية بالمنطقة، سواء كانت سياسة (الفوضى البناءة) أو صفقة القرن، ولا لسياسة المحاور وأجندة الإسلام السياسي الفاشلة والمدمِرة، ولا لكل مستَجِد بالعمل السياسي. إن المهمة الرئيسة لشعب يخضع للاحتلال أن يحرر وطنه ويقيم دولته الوطنية بجهود كل قواه الوطنية لا أن يتجاوز الوحدة الوطنية والمشروع الوطني الذي عنوانه الدولة الوطنية من أجل مشروع افتراضي أقرب الى الوهم السياسي هو من اختصاص مليار ونصف المليار من المسلمين الذين يعيشون في دول مستقلة. ولا نريد لأي شيء أن يحوّلَ دون رفع الحصار عن أهلنا بالقطاع حتى وإن كان ثمن ذلك وجود سلطة حركة حماس في القطاع الى حين من الوقت. ولكن دعونا نفكر، ما دام الأمر الواقع – الانقسام- يفرض نفسه شئنا ذلك أم أبينا وقد يستمر الى حين من الوقت ما دامت القوى الصانعة له في مركز القوة. فكيف نحافظ على المشروع الوطني وعلى وجود قيادة وطنية واحدة في ظل وجود حالتين سياسيتين هما نتاج لجغرافيا سياسية يكرسها الاحتلال وتغذيها أجندة خارجية؟ ليست هذه دعوة الى تكريس الفصل. بل دعوة الى وضع حد لحالة العداء والتحريض الداخلي، محاولة الحفاظ على وحدة الشعب والمشروع الوطني ضمن سياقات جديدة تقول بوجود حالة سياسية في القطاع وأخرى في الضفة الغربية، وخصوصاً أننا نتحدث عن مشروع وطني. والمشروع هو ما قبل التحقق والإنجاز.ولا أعتقد أن حكماء فلسطين سيعجزون عن إيجاد صيغة ما للمشروع الوطني أو تقاسم وظيفي وطني يُخرج النظام السياسي والمشروع الوطني من حالة الانحدار بل والاندثار الى حين إنجاز التحرر الوطني والدولة المستقلة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعودة اللاجئين، إن لم تخرج الطبقة السياسية من حالة الصمت بل التواطؤ على الحقيقة حيث الجميع يعرف أن الانفصال يسير بخطوات سريعة، فإنهم يتحملون المسؤولية ليس فقط على فصل غزة عن الضفة بل أيضا عن تصفية القضية الفلسطينية.