من المفروض أن يتجسّد دور طبيب الشغل داخل المؤسّسة في الوقاية من الأمراض المهنيّة وحوادث الشغل والحدّ منها. إلاّ أنّه في عديد البلدان الغربيّة وقع إقرار قوانين حول المخاطر الوراثية تنظّم انتقاء العمّال حسب نوع حساسيتهم وتاريخهم الوراثي والتاريخ الوراثي للأصول. فما دام المرض المهني قد أصبح مرضا وراثيا فلا داعي للوقاية. هكذا يقع تجنّب الحديث عن المواد السامّة أو التخفيف من تأثيراتها. هل أنّه قدر محتوم أن يتعذّب ويموت جزء من المجتمع بمرض السرطان ليساهم في دعم الاقتصاد الوطني والتطوّر الصناعي والتقدّم والبحوث تماما كما يموت في ساحة الوغى الجنود الذين يقع التضحية بهم من أجل أهداف أنانية واستعمارية. كلّ سنة يصاب 300 ألف فرنسي بالسرطان يموت منهم 150 ألفا. لماذا كلّما تسخّر البلدان خصوصا منها الصناعيّة مزيدا من الأموال لمواجهة هذا المرض إلاّ وزادت نسبة الإصابة؟ هل يتعلّق الأمر بسياسة صحّيّة خاطئة أم أنّ هذه البلدان قد أخطأت المرمى؟ كلّنا يتذكّر ذلك التصريح الشهير والفريد من نوعه لرئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة نكسن في 23 ديسمبر 1971. لقد أعلن بصفة رسميّة الحرب «الشاملة» ضدّ السرطان. بعد عشرين سنة أقرّ الرّئيس كلنتون بأنّ البشريّة قد خسرت معركة السرطان. فقد كان من المؤمّل أن تتراجع نسبة الإصابة ب50 بالمائة وإذا بها ترتفع بنسبة 60 بالمائة. فبينما خصّصت الولايات المتّحدة الأمريكيّة لمشروع مقاومة السرطان 223 مليون دولارا سنة 1971 زادت الاعتمادات لتبلغ 2,6 مليار دولارا سنة 1998 لتبلغ 3,3 مليار دولارا في سنة 2004. تضاعفت الاعتمادات 15 مرّة دون جدوى. طرح بعض المهتمّين بقضايا البيئة سؤالا يبدو من الوهلة الأولى منطقيّا: هل هناك علاقة بين هؤلاء الذين ينتجون المواد المسرطنة وهؤلاء الذين يدّعون مواجهة السرطان لا علاجه؟ ألا يعيد ذلك لأذهاننا قصّة الخفاش الذي صاح بأعلى صوته: «أنا طير، انظروا لجناحيّ، أنا فأر فليحيا كلّ الجرذان»؟. هم ينتجون المواد المسرطنة، انظروا كيف يلوّثون المحيط، لكنّهم يواجهونه، انظروا إلى المجهودات المسخّرة لعلاج السرطان !!! فالقضاء على مرض السرطان يعني نهاية آلاف الأنشطة وآلاف مواطن الشغل وقد تتأثّر قطاعات صناعيّة هامّة بذلك خصوصا منها صناعات الكيمياء والصيدلة ومنتجة آلات التشخيص. (يتبع)