المرأة التونسية قادرة على قيادة الطائرات والبواخر والوزارات والمنظمات والجمعيات والأحزاب… كل المجالات حلّ لها إلا قيادة البلاد فما المانع من انتخاب امرأة رئيسة للدولة أو ترشيحها رئيسة للحكومة؟. تونس الشروق: «هدف المرأة التونسية القادم يجب أن يكون تولي رئاسة الجمهورية»، هذا ما نقلته «موزاييك آف آم» عن رئيسة أثيوبيا سهلي ورق زودي غداة التقائها رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي قبل أيام في أديس أبابا. قبل أي يلتقي أول رئيسة لأثيوبيا بيوم واحد، كان لرئيس الدولة لقاء في أديس أبابا بضيفة أثيوبيا رئيسة جمهورية إستونيا كيرستي كاليولتيد، وقبلها بأربعة أيام كانت له مباحثات واجتماعات في لافالات برئيسة مالطا ماري لويز بريكا. في أثيوبيا كما في مالطا وأستونيا تمسك المرأة بصناعة القرار مثلهن مثل العديد من القائدات الأخريات في العالم مثل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماري ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة كرواتيا كوليندا كيتاروفيتش، ورئيسة الوزراء الرومانية فيوريكا دانتشيلا، ورئيسة الجمهورية اللتوانية داليا كريبوسكاتي... فما الذي يعيق المرأة التونسية عن صناعة القرار في بلادها؟ ممنوعة من رئاسة الحكومة لا نجد في تونس أي مانع تشريعي. فالدستور الذي يكرس المساواة المطلقة بين الجنسين لا يضع أي عقبة أو شرط خاص أمام المرأة في ممارسة حقوقها السياسية. بل إن بعض القوانين تدفع نحو تقديم المرأة على الرجل (شرط المناصفة). المشكلة في تونس تتمثل في العقلية فبقدر استفادة المرأة التونسية من حزمة التشريعات المتطورة فقد تضررت من افتقاد الحظ ذاته الذي يختص به الرجل ذلك أن رئاسة الحكومة تتطلب منصبا رفيعا داخل حزب قوي (المبدأ في الأنظمة البرلمانية) أو توافقا من الأحزاب القوية المشاركة في الحكومة (الاستثناء التونسي الأول) أو ترشيحا من رئيس الجمهورية (الاستثناء الثاني). أما المنصب الرفيع فلم يتوفر بعد للمرأة التونسية في الأحزاب الكبرى مثل نداء تونس وحركة النهضة. حيث لا نجد امرأة واحدة في رئاسة الحزب أو أمانته العامة. وأما الفرضيتان الأخريان فقد تم فيهما الاستنجاد بالمستقل حبيب الصيد ثم يوسف الشاهد دون أن يتم اقتراح أي اسم أنثوي. غياب الترشيح والدعم هناك نظريا حظ أوفر للنساء في الاستحقاق الرئاسي. حيث يكون لأي مواطن الحق في الترشح متى توفرت فيه الشروط الدستورية. لكن المرأة تصطدم بشكل آخر من التمييز ذلك أن القدرة على المنافسة تحتاج إلى ترشيح من أحد الأحزاب القوية أو من مجموعة من بقية الأحزاب. ففي 2014 اقتصر المرور إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية على الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي وسلفه منصف المرزوقي. أما الأول فقد رشحه الحزب الأقوى آنذاك نداء تونس وبعض الأحزاب المقربة منه وعدد كبير من المستقلين، وأما الثاني فقد وقف معه عدد كبير من الأحزاب بالإضافة إلى جزء كبير من قواعد حركة النهضة. وفي هذا الامتحان كان للقاضية كلثوم كنو شرف تمثيل أبناء جنسها في الدورة الأولى لكنها لم تجد حزبا يرشحها ولا حزبا يساندها. بل غامرت بمفردها (ترشح مستقل) وعولت على إمكاناتها الذاتية. فكان من الطبيعي أن تعجز عن مقارعة مرشحي الأحزاب الكبرى في الحملات الانتخابية رغم إيمان أغلبية التونسيين بأن الكفاءة لم تكن تعوزها في ترؤس الدولة التونسية. إقناع بنات جنسها يجوز التوجه باللائمة إلى العقلية الذكورية المسيطرة التي حالت من قبل دون ترشيح المرأة للمنافسة على رئاسة الجمهورية ودون ترشيحها لرئاسة الحكومة ودون انتخابها رئيسا لحزب قوي قادر على الفوز بالانتخابات التشريعية… لكن المرأة تتحمل أيضا بعض المسؤولية. الجانب الأول يخص من تمارس السياسة. فالمناصب لا تهدى. بل تفتك بإثبات الكفاءة وهذه العقبة لا تبدو مستعصية ذلك أن من نجحت في ترؤس بعض الأحزاب وبعض البلديات (مثال سعاد عبد الرحيم) تقدر بمزيد من الاجتهاد على رئاسة الجمهورية أو الحكومة وما عليها إلا مواصلة حرب إثبات الذات التي خاضتها من قبل الفقيدة مية الجريبي وتخوضها الآن بعض السياسيات مثل عبير موسي. أما الجانب الثاني فيتثمل في إقناع الناخبة بالتصويت لبنت جنسها، لا تنسوا أن حوالي مليون امرأة صوتن لقايد السبسي في الاستحقاق الرئاسي الماضي بينما لم تفز ممثلة النساء الوحيدة إلا بمجموع 18 ألفا و287 صوتا من أصوات الرجال والنساء مجتمعين. واحدة على ثلاث حاولت ثلاث نساء خوض شرف المنافسة على رئاسة الجمهورية في انتخابات 2014 وهن رئيسة حزب الحركة الدّيمقراطية للإصلاح والبناء وأستاذة الاقتصاد،آمنة منصور القروي وأستاذة الاقتصاد الدولي ليلى الهمامي والقاضية كلثوم كنو. وقد تم رفض مطلب ترشح الأولى ثم خيرت الثانية سحب ترشحها أما الثالثة فقد خاضت الدورة الأولى ضمن 27 مترشحا وتحصلت فيها على المرتبة الحادية عشرة. ...إلا وزارات السيادة فرضت المرأة التونسية نفسها في شتى المجالات والقطاعات بما فيها المهن «الخشنة» والخطيرة والشاقة المحسوبة في أصلها على الرجال. المسألة لا تتعلق بمجرد الحضور بل بإثبات الكفاءة الأنثوية والتفوق على الرجال… المرأة التونسية تجدها اليوم على رأس الوزارة أو الإدارة أو المؤسسة أو الجمعية أو الحزب لكنها لم تكن واحدة من الخمسة الذين ترأسوا البلاد منذ الاستقلال ولا واحدة من الستة عشر الذين ترأسوا الوزراء أو الحكومات قبل الثورة وبعدها. أرفع المناصب السياسية التي تقلدتها المرأة التونسية تجاوزت بالكاد وزارات الاختصاص (وزارة المرأة) إلى بعض الوزارات الفنية مثل السياحة والصحة والشباب والرياضة لكننا لا نعثر خلال 6 عشريات من استقلال تونس أي امرأة في وزارة سيادة (الداخلية أو الخارجية أو الدفاع أو العدل) فهل أن الكفاءة التي أثبتتها في شتى المجالات تعوزها في قيادة الحكومة أو الدولة؟