عاد الحديث مُجدّدا وبكثافة على ضرورة تحييد الإدارة عن الأحزاب، الى الدرجة التي ربط فيها البعض تلك المسألة بنزاهة الانتخابات القادمة وشفافيّتها. وكانت حركة النهضة من أوَّل الأطراف التي حرصت على التذكير في بيانات هياكلها القياديّة، وأساسا مجلس الشورى والمكتب التنفيذي، بضرورة النأي بأجهزة الدولة ومؤسّساتها، ومنها رئاستا الحكومة والجمهورية، عن التجاذبات السياسيّة والحزبيّة، وسبق في وقت قريب أن وُجّهت اتهامات صريحة لرئيس الحكومة بتوظيف أجهزة الدولة لحساب مشروعه السياسي، بل إنّ رئيس الجمهورية نعت ذلك المشروع بأنّه حزب الحكومة. وازدادت وتيرة الجدل حدّة في أعقاب إعلان حركة تحيا تونس عن تعيين شوقي قداس رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصيّة رئيسا للجنة الإشراف على مؤتمرها والقاضية بالمحكمة الادارية نجلاء بن إبراهيم رئيسة للجنة المستشارين والخبراء، الى الحد الذي تحدّث فيه حزب التيار الديمقراطي أمس عن نزعة سلطويّة لرئيس الحكومة داعيا الى الالتفاف لمقاومتها ودعت فيه أحزاب ومنظمات وجمعيات قداس الى الاستقالة فورا من هيئة المعطيات الشخصية وجمّدت فيه رابطة الهيئات المستقلّة عضوية تلك الهيئة. الأمر، على ما يبدو، تجاوز التحذير ووجود شبهات أو مؤشرات، الى واقع متداخل فعلا فيه قدر من الريبة والغموض يحتاجُ من الجميع وقفة تأمل قبل تدحرج الأمر الى ما هو أسوأ، من تعطّل للعمل الحكومي وتكثّف الشكوك وارتفاع منسوب عدم الثقة والمصداقية في المناخ الانتخابي وفي مصداقية العملية السياسية الجارية في البلاد برمّتها. رئيس الحكومة ومكوّنات الإئتلاف الحاكم مدعوون للتحرّك للرد بفاعلية عن مخاوف تحوّلت في جزء منها الى وقائع تحتاج الاقناع بخصوص حيثياتها لا الاكتفاء بتبريرها. اليوم، أصبحت هناك قناعة بضرورة أن لا تكون التعيينات وتصريف شؤون الدولة عموما على صلة مهما كانت بالتنافس بين الأحزاب أو خاضعة لمنطق التحالفات والمحاصصة، إذ تحتاج الحياة الوطنية الى مسؤولين منشغلين بالشأن الوطني وإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة على أكثر من مستوى، لا الانشغال بالانتخابات. مطلب تحييد العمل الحكومي والإدارة عموما، مطلب في إتّجاهه لأن يكون مطلبا محلّ اجماع واسع ويحتاج ارادة سياسيّة قويّة من رئيس الحكومة والأطراف المساندة له لاتخاذ ما يلزم وبصورة عاجلة لقرارات جريئة وإعلان مبادرات واضحة لقطع الطريق أمام التشكيك والتجاذبات التي أرهقت البلاد كثيرا، وتأمين استقرار الأوضاع وسلامة المسار الانتخابي.