جرجيس (الشروق) اشتهر سوق الصاغة، الذي يتكون من محلات عديدة، ذات طابع معماري تقليدي، تشغل حوالي 50 شخصا ، من بينهم تجار وحرفين وأهل المهنة، التي توارثتها أجيال متعاقبة، وعدد من الحرفين اختصوا في صنع الذهب وبيعه ويحذقون مهنة الاجداد. «الشروق» تحوّلت الى سوق الذهب، لرصد الاشكاليات التي يعيشها القطاع، من ذلك إغلاق عدد من المحلات، نتيجة الاحتقان والصعوبات المختلفة التي عمّقت أزمة المهنيين والتي من بينها لامبالاة السلطة لمشاكل القطاع وذلك حسب ما أفاد به عدد من التجار، الذي اشتكوا من سوء أسلوب المصالح الرقابية، مع حرفيي المصوغ، خاصة بعد تواتر معطيات عن عمليات الغش التي أغرقت أسواق الذهب في تونس. وهو ما دفع الحرفيين للتهديد بإيقاف نشاطهم الحرفي. «لسنا ضد اجراءات الرقابة» «الكر والفر مسترسل والأمر بات عاديا، فمداهمة أعوان الديوانة للمحلات، وحجز، كل ما يملكه التاجر، للتثبت من الذهب المغشوش وفواتير الشراء، اصبح امرا عاديا، حسب ما صرح به التجار، الذين اكدوا انهم يرفضون فقط طول فترة المعاينة التي قد تصل لاشهر وسنة، وهو ما يكبدهم خسائر مالية طائلة، وبعضهم يجد نفسه في قائمة العاطلين عن العمل. ويقول «لطفي» متسوغ لمحل بالسوق، منذ ما يزيد عن 27 سنة انه لم يعد قادرا على توفير أي مداخيل أو دفع معاليم الكراء او خلاص الاداءات الجبائية، فضلا عن عدم توفر دار للحرفيين واشكاليات نقص اليد العاملة و عدم تشجيع الدولة لصغار الحرفيين و تذليل الصعوبات امامهم، مما دفع العديد، منهم لغلق محلاتهم. ويطالب تجار المصوغ بضرورة دعمهم والأخذ بمقترحاتهم، والحسم في النّقاط الخلافية المتعلّقة بالقانون الذي ينص على عقاب بالسّجن لمدّة عامين وبخطيّة مالية قدرها 20 ألف دينار «للأشخاص الذين يتولون صنع أو مسك أو بيع مصنوعات تحمل علامات طوابع مقلدة لطوابع قانونية أو مصنوعات تكون علامة الطابع القانوني، قد أقحمت فيها أو تكون ملحومة أو منسوخة. دار الطابع أولوية من جهته، افاد احد الصاغة انه يمتهن حرفته منذ 35 سنة، متحدثا بشغف عن الذهب والمجوهرات، موضحا أنه على الرغم من أن الآلات الحديثة التي حلت مكان الشغل اليدوي في الكثير من الورشات، فإن بعضها لا يزال يعمل يدويا. ويتابع قائلا ما زالت بعض المحلات الصغيرة تعتمد على العمل اليدوي رغم انتشار الآلات والتي أثرت قليلا على الصناعة اليدوية التي لم تعد تجني الأرباح مثل ما كانت عليه في السابق. وتابع محدثنا ان القطاع يتخبط في سلسلة من الصعوبات، وان المهنة باتت مهددة بالاندثار، مطالبا، بضرورة التسريع في تعديل القانون، وتحفيز الشباب على الاقبال على الحرف والمهن وفتح «دار الطابع» المغلقة منذ سنوات لحماية القطاع والمحافظة عليه. جولتنا متواصلة في سوق الصاغة، حيث التقينا «خميس» وهو أب لثلاثة اطفال بالكاد يوفر لهم ما يسد الرمق ورغم الصعوبات تحدث عن ما يحدث في القطاع، قائلا ان الحرفيين في هذا السوق يدركون جيدا قيمة الذهب وهم يتحدثون عنه، فقيمته «ثابتة رغم تغير الزمان». الدولة...تستقيل وتابع ان سوق الذهب بجرجيس يعاني من التهميش فهو يفتقد الى أمين وهيكل نقابة يضاف الى ذلك ان الدولة قدمت «استقالتها» من هذا القطاع، الذي يمر بأزمة خانقة لم يسبق لتجار المصوغ وحرفيه، ان مروا بمثلها منذ اكثر من عشر سنوات، فالمردود ضعيف واشكاليات اتحدت جميعها لتؤثر على القطاع. فالأزمة الاقتصادية باتت مزمنة ولا حل سوى إرادة سياسية وقرارات جريئة لاستئناف نشاط دار الطابع وتحرير الذهب لانعاش تجارة الذهب. ويشكل الذهب أهمية كبيرة وقيمة لدى نساء جرجيس لما يضفيه من أناقة كحلي وكذلك لما يحققه من أرباح والمقبلون، على شراء الذهب لا يهتمون اليوم بوزنه وعياره كالسابق، فبحكم ارتفاع الأسعار أصبح أغلب الزبائن يبحثون عن القطع الخفيفة التي يكون ثمنها وشكلها مناسبا لعدم احتوائها على اختام لكن حجزها سيشرد عائلات تقتات من التجارة في شارع دبي ولا بد من إيجاد قانون يحمي ابناء وبنات القطاع. قطع نادرة...لكن ويعرف نساء جرجيس منذ القدم بالإقبال على شراء الذهب ولم يعد الاقبال بالشكل الذي كان عليه في الثمانيات والتسعينات، فان النساء اليوم غير قادرات على شراء الذهب عيار 18 و 24 فأصبحن يتوجهن الى معدن الفضة لتجهيز بناتهن المقبلات على الزواج، وغالبا ما تتوجه الفتاة المقبلة على الزواج الى صانعي الذهب لتعرض عليهم انموذجا تقليديا ترغب في احيائه، وهو ما يجعل تلك القطع باهضة الثمن لما فيها من دقة وحرفية حسب ما افاد به الحرفي «حسين» الذي اختص في تطوير القطع التقليدية الفضية. وتابع انه رغم رغبة القائمين على معارض الصناعات التقليدية لتأمين مشاركات لمنتوجاته بمعرض الكرم وبمعارض أخرى، الا انه يرفض ويرى عدم جدوى من ذلك، فلديه في محلّه قطع قديمة ذات قيمة تاريخية مميزة من انتاجِ أقدمِ الصاغة.