حثّ الإسلام على الاجتهاد واستنباط الأحكام ليجعل الشريعةَ الإسلاميَّة تستجيبُ دوما للحاجات الإنسانيَّة المتطورة مع الأزمان وهو سبيل لنمو الشريعة ولازدهارها ودليل صارخ ينفي تهمة الجمود لهذا الدين الحنيف، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثمّ اخطأ فله أجر» . (صحيح البخاري) وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله، حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنه يجتهد حيث لا كتاب ولا سنة. فباب الاجتهاد مفتوح دائما ولا يجوز خلو الزمان من مجتهد قائم لله بحجته يبين للناس ما نزل إليهم، ويدل للقول الحق حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحق لا يضرّهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. (صحيح مسلم) ولكن لا يجوز الاجتهاد فيما ثبت بدليل قطعي كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وتقسيم الميراث وزواج مسلمة بغير المسلم وباقي أركان الإسلام وما اتفقت عليه جليات الشرع التي تثبت بالأدلة القطعية سواء كانت آيات بينات من كتاب الله أو ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أحاديث شريفة. كما لا يجوز لعامّة النّاس ومن دب وهب أن يجتهد في مسألة من مسائل الحياة الدنيا واستهانة بأحكام الله باسم مواكبة الدين للعصر فهذا أكبر خطئ لأنّ الإسلام دين الحق صالح لكل أنواع الشعوب في كل زمان ومكان لا تتغيّر حدوده و أحكامه. ولقد أوجب الإسلام مجموعةٌ من الشّروط تؤهّل المجتهد لاستنباط الأحكام الشّرعية التي لم يسبق إصدار الحكم حولها، ومن هذه الشروط: الأهليّة وهي أن يكون المجتهد مُسلماً بالغاً عاقلاً عادلاً تقيّاً مدركاً للشرع إدراكاً تامّاً، وأن يكون عالما بوجود الرب وما يجب له سبحانه من صفات الكمال وما يمتنع عليه من صفات النقص والعيب، و أن يكون مصدقا بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب على المجتهد أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة، وعالما بمسائل الإجماع والخلاف لئلا يعمل ويفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه، ومن أهمّ الشروط التي يجب أن تتوفّر في المجتهد أن يكون عالما بالناسخ لئلا يعمل و يفتي بالمنسوخ، ومن الصفات التي ينبغي على المجتهد في الإسلام أن يكون عارفا بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث وما لا يصلح، وعالما بالقدر اللازم لفهم الكلام من اللغة والنحو. وممّا يميّز المجتهد عن عامة النّاس والمتعلم والمثقّف وممّا يؤهله للاجتهاد علمه بأصول الفقه لأن هذا الفن هو الدعامة التي يعتمد عليها. وللاجتهاد في الإسلام أهميّة بالغة حيث أنّه وسيلةٌ في غاية الأهميّة لاستنباط الأحكام الشّرعية من الأدلّة الشّرعية، وهو وسيلة لإيجادُ الحلول للمسائل المُستجدّة في الحياة اليّومية للأفراد والمجتمعات. ومن فوائد الاجتهاد تعريف الأفراد بأحكامٍ خاصّةٍ بحياتهم، وإرشادُ النّاس إلى السّلوك القويم والعمل السّليم، وخاصة مواكبةُ التّغيرات التي تطرأ على حياة الأفراد في مختلف الأزمان. إن من أبرز أسباب انحلال الأمة في عصرنا الحالي وتخلفها وظهور الفكر المتطرف والإرهاب هو كثرة المتطفلين على الاجتهاد رغم عدم توفر شروط الاجتهاد فيهم وبعدهم كل البعد عن شرع الله بدعوى تجديد الدّين حتى يكون مواكبا لإهوائهم وشهواتهم ونزواتهم. فلا يجوز للمجتهد أن يقول على الله بغير علم، بدليل قوله تعالى {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف 33) وقوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} (النحل 116) فجعل القول عليه بغير علم، فوق مرتبة الشرك، لما يترتب على القول على الله بغير علم من الفساد الكبير، والشر العظيم، وقد يبيح ما حرم الله، وقد يوجب ما لا يوجبه الله، وقد يقع في شرور كثيرة، وأن يحذر المجتهد من القول على الله أو أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو بنفي ما قاله، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. (رواه مسلم) .