بقلم: رائف بن حميدة الذين يتهمون بورقيبة بالعمالة ( وربما توجد بحق بعض الاتفاقات التي تثير الشبهة وكان هو قد وقّع عليها ،لكن هذا يمكن تفسيره "بسياسة المراحل".. ومن ناحية ثانية لا ننسى التضخم المتراكم بعد 6 عقود كاملة. فهويجعل التسعيرات القديمة بلا قيمة..وعموما في هذه القضية، بورقيبة لم يكن يحكم البلاد وحده وإنما كان معه ثلة من خيار الوطنيين المناضلين الصادقين، فهل يعقل أن يكونوا كلهم "عملاء"؟.. وهنالك تهمة زائفة أخرى كثيرا ما تنشر بشبكات التواصل وتظهر صورًا لبورقيبة طليقًا ومبجّلًا بفرنسا ..ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب:فالفرنسيون حفظوا لبورقيبة موقفه الرصين خلال الحرب الثانية. حيث لم ينجر الى المحور. بل كان من سجنه يحذر من مغبة ذلك. وإثر تحرير فرنسا من الاحتلال النازي تم تثمين موقفه وإعلاء شأنه( خلافًا للمرحوم المنصف باي الذي خلعوه وأهانوه ونفوه الى صحراء الجزائر ثم الى مدينة بو حيث توفي بعد 5سنوات..) وفي هذا قال الجنرال ديغول في مذكراته عن بورقيبة رغم الاختلاف بينهما: voilà un homme qui sait toujours être exact aux rendez-vous que lui fixa l' histoire إنّ تجربة التعاضد ،رغم فشلها، كافية لوحدها للتدليل على براءة بورقيبة من العمالة للهيمنة الرأسمالية التي يزعمون! ومن ناحية ثانية، تلك التجربة تؤكد بالمطلق إيمانه بالشعب وبضرورة الأخذ بيده وعدم تركه للرأسمالية المتوحشة ( وهو حالنا الآن بعد الثورة الملعونة... رغم مشاركتنا القوية بها! ) وقد تبين ذلك من خطابه الكبير في مؤتمر المصير ببنزت ،الذي أعقبه خطاب مماثل للمرحوم الباهي الأدغم. وقد أضيفت حينها تسمية الاشتراكية الى الحزب .. ومن بين ما يؤكد حرية قراره أيضا شروعه الحماسي في الوحدة مع ليبيا ( رغم فشلها هي أيضا بفعل بعض الوزراء..) حيث قال إثر التوقيع:- هذا تتويجا لكفاحي طيلة نصف قرن من أجل وحدة المغرب العربي- فبورقيبة هوفي الحقيقة قومي عربي لكن عبر سياسة مراحل وبشكل سلمي بعيدا عن المصادمات،إلا عند الضرورة . وشخصية بورقيبة الحرة اتضحت يوم العدوان على تونس في حمام الشط 1985 حين هدد بقطع العلاقة مع أمريكا! فاضطرت أمريكا لأول مرة الى إدانة العدوان!.. إن من يريد التقصّي للتأكد من شجاعة ووطنية بورقيبة عليه بالعودة الى خطابه في أوت سنة 60 "عيد المرأة". ففي ذلك الخطاب نستشف إيمانه الشجاع بمشروعية الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي. فقد نوه فيه بالمرأة الجزائرية التي كما قال هو -تقاتل في الجبال- فهل يمكن ل"عميل" ان يتفوه بذلك الكلام الخطير جدا ؟..وفي نفس الخطاب نجده يتحامل على المتزمتين من العلماء ويفضحهم مذكرا بخيانتهم حيث قال حرفيا ساخرا منهم - نعرف الفتاوى التي كانوا يُصدِرونها لكي يذهب المسلمون للحرب مع فرنسا-...فهل يمكن ل"عميل" أن يتفوه بهذا الكلام الخطير جدا والفرنسيون يتساقطون كأوراق الخريف في حرب تحرير الجزائر بجانبه ؟.. وأمام هذه المآثر الكبيرة التي ذكرنا منها القليل فهل للمرزوقي من مأثرة واحدة تسمح بمقارنته ببورقيبة؟ هل بالبؤس والمديونية التي وقعت فيها البلاد؟هل ب" مؤتمرأصدقاء سوريا"؟..هل باحتفاله بقتل القذافي"وهوالحقوقي"؟ هل بتسليم البغدادي المحمودي؟هل بعزله مفتي الجمهورية على إدانته تسفير شباب تونس الى سوريا؟ هل بسكوته عن سجن الشاعر القطري بالمؤبد لمجرد قصيد شعري يمدح ثورة تونس!!)؟...وهل من مقارنة كذلك بين بورقيبة و الغنوشي الذي أيّد إدراج حزب الله المجاهد كمنظمة إرهابية،وبارك الصواريخ على سوريا يوم انطلاق الحملة الانتخابية البلدية حيث قال حرفيا: حدثان عظيمان متزامنان، انطلاق الحملة الانتخابية في تونس ونزول الصواريخ على مواقع في سوريا؟ ختاما:نترحم على جميع الوطنيين الذين جاء ذكرهم. ومن ناحية ثانية أنبه الى أنني بهذا المقال لا أهدف الى تقديم خدمة للذين نصبوا أنفسهم بعد الثورة وهم "بورقيبيون جدد"، فأين كان هؤلاء حين كان هو في الإقامة الجبرية لينهي بها حياته السياسية سجينا كما بدأها في شبابه !؟