«الشروق» تونس: تشير عدة وقائع إلى أن فرضية «الفعل الجنائي القصدي» ليست مستبعدة في ملف وفاة 12 رضيعا في مركز التوليد وطب الرضيع (وسيلة بورقيبة) نهاية الأسبوع الفارط. وبمعنى أوضح فإنّ التفسير العلمي الذي خلصت إليه وزارة الصحة يبدو وجيها من الناحية الطبية البحتة فحصول تعفّن جرثومي استشفائي أو إخلال بقواعد إعداد مستحضرات التغذية الصناعية كفيل بالتسبب في الوفاة خصوصا أن فئة الرضع المقيمين بقسم الولدان وهم المولودون قبل انقضاء 9 أشهر على الحمل ليست لهم مناعة ذاتية. مفارقة لكن هذا التفسير العلمي على وجاهته يشير ضمنيا إلى ما يناقضه على خلفية أن قسم الولدان Prématurés الذي يعاني من اكتظاظ شديد وكان يرعى ساعة حصول الكارثة 164 رضيعا فيما لا تتجاوز طاقة استيعابه النظرية 80 رضيعا ومن هذه الزاوية يطرح السؤال لماذا اقتصرت الوفاة على 12 من أصل 164 رضيعا معرضون كلهم لخطر التعفّن الجرثومي الاستشفائي ويعتمدون على نفس تشكيلة التغذية الصناعية التي يقع إعدادها داخل قسم الولدان خصوصا حزمة التدابير الاحتياطية التي اتخذتها وزارة الصحة حال دخول الواقعة لم تشتمل على نقل بقية الرضع إلى قسم آخر. وهذه الوقائع ترجّح أن الخطر الذي تسبب في ا لوفاة لم يخرج من البداية عن دائرة 11 رضيعا وحتى وفاة رضيع آخر 48 ساعة بعد حصول الكارثة فهو يتأثر بجملة من الفرضيات منها معدلات الوفاة الاعتيادية لهذه الفئة من الرضع. وحتى توقيت حصول الواقعة يثير بدوره لفيفا من الشكوك على خلفية أن يوم السبت هو بمثابة يوم راحة في غرف شريحة واسعة من الأطباء الاستشفائيين الجامعيين وهو ما يعني تراجع مستوى التأطير الطبي الذي يعتمد بالأساس على خدمات أطباء مراحل التكوين الأساسي والتخصصي Les internats et les résidants وفي السياق ذاته يطرح السؤال إلى أي مدى تتحمّل هذه الواقعة عنصر «المصادفة» في خضم المناخ العام الذي يلفها ويضم جملة من المؤشرات التي توقف مسار تهميش القطاع العام الذي تعمق خاصة إبان الترويكا كما يؤسس لمنعرج نوعي في تطور الصناعة الدوائية الوطنية تدعم استقلالية تونس في هذا الميدان الحيوي ومن هذه المؤشرات بالخصوص: تقدم التحضيرات للانطلاق في تصنيع دواءين بالغي الأهمية هما «سنتروم» و«وارفرين» ومن ثمة الاستغناء عن التوريد. بداية الإنجاز الفعلي لمنظومة المطابقة الدوائية التي تخول للصيدلي استبدال الدواء الأجنبي بالجنيس المحلي وذلك بعد تعطيل مقصود دام تسعة أعوام. الانطلاق الفعلي في رقمنة التصرف الاستشفائي خاص في ميدان الأدوية. إعادة الأسبقية إلى القطاع الاستشفائي العام بمقتضى الاتفاق الذي كان وزير الصحة المستقيل رؤوف الشريف على وشك توقيعه مع وفد اتحاد الشغل الذي كان موجودا في مقر الوزارة لحظة تقديم الاستقالة. وبالنتيجة فإن القاسم المشترك في كل هذه الخطوات هو أنها تزعزع مصالح مالية أجنبية وداخلية من الحجم الثقيل للغاية حيث تحسب بآلاف المليارات. ورغم أن هذه المعطيات تظل حقائق متناثرة فالأكيد أن كلا من مجلس الأمن القومي والفرقة المركزية الأولى لمكافحة الإجرام صلب الإدارة العامة للحرس الوطني سينبشان بعمق في كل ملابسات هذا الملف.