من خوالد بلدتي الطيّبة أنّ المرحوم جدّي للأمّ رفض دعوة الدساترة ساخرا من تسارعهم إلى الشعبة للتقييد في سجلّ المناضلين وربح منحة. إذ لم يكن يرغب من النضال في أكثر من استقلال تونس. وما كان يطمح إلى أكثر من أن يرى ذلك قبل فوات العمر. فمنهم من كان نضاله ببطاقة الانخراط ،و منهم من كان نضاله بتعليق لافتة ترحيب بالزعيم، و منهم من كان نضاله بجلب كرسي من داره إلى مقر الاجتماع، ومنهم من كان نضاله بضربتين بعصا الجندرمة في مجاز الباب راجعا من تونس لأنّه أجاب عن هويّته بأنّه « تستوري « فسمعت « دستوري «. وكان نضال جدّي الرفيع العماد الطويل النجاد حماية المجتمعين واقفا في الباب كعنترة بن شدّاد. وقد أدركته بلحيته الشيباء المرسلة من يوم اعتقال بورقيبة مع الأعضاد. ومن المتقدّمين للتسجيل « القوّاد» الواشي و « البيّوع « الخائن. قال هذا إنّ نضاله كان كالعميل المزدوج لتضليل الرقابة الاستعماريّة حتّى إذا عابوا عليه تجاهره بتأبيد الاحتلال ردّ بأنّه يمثّل لينال ثقتهم فيتجسّس عليهم. ويكذب عليهم كأن يرسلهم إلى زاوية سيدي عبد القادر بينما الاجتماع السرّي في كاف الوادي. ولكلّ بلدة ذكريات وعبر ومناسبات لالتقاء الأجيال على درس في الوطنيّة الجامعة بين الدين والجنسيّة. وختامها الترحّم على الشهداء. وأقصى ما يكرّمون به سطر في كتاب أو اسم على ساحة أو نهج. وأعظم به من شرف لا يعدّ له ثمن ! فهل عرف طلاّب التعويض هذا أم لم يقرؤوا التاريخ. فغدت على القلوب أقفالها ؟ وأيّ نضال ضحّوا به في اتّجاه الخلافة و الوراثة و التكفير و التفجير مذ عادوا لنهب الثورة و اقتسام الكعكة و إسقاط البلاد في الديون و الإفلاس وكتم الأنفاس ؟ إن هو إلاّ نضال أجرة قياسا على سيّارة أجرة. الإسلام السياسي قوامه الحكم المطلق باسم الشريعة. وهو نقيض الديمقراطيّة و الحرّية و العدالة الاجتماعيّة و الكرامة الإنسانيّة. وهو ضدّ التقدّم والتفتّح والتسامح و التعاون. بل هو ضدّ الإسلام نفسه و أخطر أعداء المسلمين على أنفسهم. إنّه كارثة العرب والمسلمين طوال قرن و أكثر. و سبب تخلّفهم و شرورهم في ما بينهم قبل عدوّهم. فأيّ نضال وأيّ جهاد يكون بالعدوان على أعوان الأمن وغرس الألغام في طريق الجيش وقتل السيّاح في النزل و المتحف و تفجير السيّارات وحرق الغابات وتهريب الممنوعات و نشر المخدّرات و الغشّ و الاحتكار و رفع الأسعار و إسقاط الدينار و توازي الاتّجار ؟ أيّها العائدون حقدا علينا، أيّها المتأبّطون شرّا، المتربّصون ببلادنا سوءا، من كلّفهم « بالنضال» نيابة عنّا ونحن وإياكم أضداد ؟ وكيف نجازيكم على إساءتكم إلينا ونتحمّل تبعات أفاعيلكم التي لم نوافقكم عليها. بل نحن المتضرّرون منها وقد وجّهتم سهامكم إلى نحورنا ومددتم أيديكم إلى جيوبنا حتّى سئمنا التعايش معكم. وقد خلت قلوبكم من الرحمة وعقولكم من المعرفة وعثتم في الأرض فسادا ؟ جميعنا رآكم كيف كنتم و كيف أصبحتم و لا رادع لكم لأنّكم مندسّون في تجاويف الإدارة و الوزارة. تخرّبون الدولة لأجل مصالحكم و امتيازاتكم التي لا تحدّ و لا تستحي و لا تقدّر الظروف. حتّى الأمل قتلتموه فاحترق من « تدوعش « و غرق من «أحرق « وهاجر الكفء بعد الإنفاق عليه من مال المجموعة لأنّكم سددتم الأبواب على الشباب. أبناؤكم وحدهم يحظون بالانتداب. هكذا لا ينقصنا بعد هيئة الحقيقة و الكرامة إلاّ صندوق الكرامة لانطلاق حملة الانتخاب. وربّي يحفظ تونس لتكون كلّ عام بخير، لا عيش فيها لمن خانها و ابتزّ شعبها.