عرفت تونس قمة الاصطفاف الخارجي لسياسييها وأحزابها في سنوات 2012 و2013 وتمكنت من تجاوزها بعد الانتخابات التشريعية لكن اليوم هناك بوادر لعودة الاصطفافات خاصة مع اقتراب الانتخابات والقمة العربية. تونس(الشروق) تميزت تونس سنوات ما بعد الاستقلال خاصة بارتكاز سياستها الخارجية على الحياد الإيجابي والالتزام بالشرعية الدولية الى جانب دعمها للقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتواصلت تلك السياسة حتى في فترة حكم الرئيس الأسبق فقد تم الالتزام بارث الزعيم الحبيب بورقيبة في السياسة الخارجية. الموجة الأولى منذ 2011 عاشت تونس تجربة جديدة على مستوى السياسة الخارجية والعلاقات الدولية حيث دخلت لأول مرة أحزابها في معارك داخلية وخارجية من أجل الاصطفاف خلف هذا التحالف او ذاك واصبحنا نسمع باحزاب تونسية تابعة لدولة او تحالف ما وتدافع عنه أكثر من دفاعها عن تونس. تمثلت الاصطفافات في مرحلة ما بين 2011 و2014 في قطبين أساسيين الأول تتزعمه كل من قطروتركيا والثاني قطب تزعمته كل من العربية السعودية والامارات وتجلت ولاءات أحزابنا في ضيوفهم من تلك البلدان وتحركاتهم خارج تونس وحتى في مواقفهم عندما كانوا في مواقع رسمية مثلما شهدناه مع الرئيس المؤقت السابق منصف المرزوقي حتى في الاممالمتحدة. وقد لعبت تلك الولاءات دورا في صناعة المشهد السياسي خاصة سنة 2014 حيث ادت الى سقوط الاخوان في مصر وانقسام تحالف قطرتركيا السعودية الامارات في الحرب على سوريا وفي تونس خروج الترويكا من الحكم وقد ساهم الحوار الوطني والرباعي الذي رعاه في التخفيف من وطأة تلك التحولات في تونس فابتعدنا عن السيناريو المصري. اليوم وبعد أربع سنوات عن الانتخابات التشريعية التي كان من المفترض انها طوت تلك الصفحة بتركيزها لمؤسسات منتخبة نكتشف ان الاستقطاب مازال متواصلا ومازال هناك احزاب تعمل على كسب دعم أطراف خارجية من اجل تحسين موقعها في تونس وان كان عبر ادخال البلاد في «حرب أهلية» لا قدر الله. العودة لقد عادت خطابات الكراهية ونزعات الاقصاء الكامل للآخر تؤثث المنابر التلفزية والتظاهرات الحزبية وعادت الى الواجهة احزاب كل برامجها تتلخص في العمل على اقصاء اطراف او اعادتها الى السجون او تشويهها وبدأ ضخ الاموال من اجل التظاهرات دون ان يعلم أحد مصدرها او قيمتها وكيف دخلت الى تونس. ربما يواجه البعض الحديث عن الولاءات الخارجية باتهام من يتحدثون عنها بانهم من انصار نظرية المؤامرة التي لا وجود لها وأنّ الزمن قد تجاوزها والدول لم تعد تفكر بتلك الطريقة لكن ما يسند وجود تلك العلاقات ويؤكده هو سلوكيات بعض الاحزاب وخطابها والتعتيم على مصادر تمويل أنشطتها والتي بلغت ما يقارب خمسة مليارات سنة 2014. كان التقسيم في المرة الاولى مبنيا على الموقف من «الثورة» أي أحزاب داعمة واحزاب ضد ودول داعمة واخرى ضد وكانت مواقفها واضحة منذ البداية مثل السعودية والإمارات كانتا ضد في حين قطروتركيا كان موقفهما مع ما حصل في تونس اما اليوم فانّ التقسيم مبني على من هو مع النهضة ومن ضدها. تمكنت تونس خلال سنة 2014 من تجاوز خطر تلك الولاءات بصعوبة لكن هل ستتمكن من ذلك اليوم؟ أحزاب محسوبة على الإمارات والسعودية - تيار المحبة - مشروع تونس (بعد انقلاب محسن مرزوق عن ولاءاته السابقة للشيخة موزة) - نداء تونس (مع المحافظة على علاقات مع قطر) - الحزب الحر الدستوري - الجبهة الشعبية (عن طريق رجال أعمال تونسيّين) أحزاب محسوبة على قطر - حركة النهضة (مع ارتباط وثيق بتركيا) - المؤتمر من أجل الجمهورية - حراك تونس الإرادة تحيا تونس (مع ارتباط وثيق بفرنسا) شوقي الطبيب يقرّ بالتمويلات الخارجية نفقات الأحزاب خيالية. وهي عكس ما تمّ التصريح به لدى دائرة المحاسبات. وقد صرح رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب منتصف فيفري الماضي، بأنه يجب الإسراع في سن قانون التمويل العمومي للأحزاب لأن أغلب الأحزاب وخاصة الأحزاب الكبرى تحوم حولها شبهات التمويل الخارجي. في حين أن القانون التونسي يمنع منعا مطلقا التمويل السياسي الخارجي لا من تركيا و لا قطر ولا الإمارات ولا ليبيا ولا الجزائر ولا أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي. وأضاف الطبيب أن التمويل السياسي الخارجي يمس بالسيادة الوطنية. لكن الواقع يؤكد أن هاته الدول كلها لها حزب تموله وذلك لأن الدولة التونسية لم تقم بدورها في ما يتعلق بالتمويل العمومي للأحزاب. ودعا رئيس هيئة مكافحة الفساد، الأحزاب السياسية إلى الكف عن تلقي التمويلات الخارجية، مطالبا في هذا الصدد بالإسراع في إصدار قانون التمويل العمومي للأحزاب ليتحصل كل حزب على تمويل حسب معايير معينة، قائلا: «من حق هذه الأحزاب على دولتها وعلى حكومتها أن تمولها». وأكد الطبيب أن نفقات الأحزاب وخاصة الأحزاب الكبرى والمترشحين في انتخابات سنتي 2011 و2014 كانت خيالية عكس تلك التي تم التصريح بها لدائرة المحاسبات. وهذا يعود إلى غياب مراقبة النفقات، قائلا « وقت إلي نلقاو كان إلي عندو فلوس ينجم يترشح يتسمى تشويه للعملية الانتخابية والديمقراطية». وذكر مثال بعض النواب الذين منذ سنة 2014 إلى اليوم تنقلوا إلى 5 أو 7 كتل «وليس دائما على اقتناع». وهو ما ينجر عنه فقدان ثقة التونسيين في النخب السياسية والنواب والعملية الانتخابية. و هو ما تسبب في التراجع الكبير في عدد الناخبين في الانتخابات البلدية، قائلا «هذا أخطر على الديمقراطية وأخطر من الاستبداد والديكتاتورية». دائرة المحاسبات على الخط أكّدت دائرة المحاسبات أنّها راسلت في ديسمبر الماضي محافظ البنك المركزي التونسي، في إطار أعمالها المتعلّقة بالرقابة على تمويل الحملة الانتخابية البلدية لسنة 2018، مضيفة أن كلّ الأحزاب السياسية الفائزة بمقاعد في المجالس البلدية مشمولة بهذا الإجراء. وأوضحت أن هذا الإجراء، يتنزّل في إطار تطبيقها لأحكام الفصل 95 من القانون عدد 16 لسنة 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء، والمنقّح بالقانون الأساسي عدد 7 المؤرخ في 17 فيفري 2017، والذي يخوّل لدائرة المحاسبات أن تطلب من أية جهة كانت كلّ وثيقة ذات علاقة بتمويل الحملة الانتخابية. ويمكن أن تكون لها جدوى في إنجاز العمل الرقابي الموكول إليها في هذا الإطار. ومن المنتظر أن نطلع على نتيجة أعمال الهيئة في تقريرها القادم بعد اطلاعها على المعطيات المقدمة من قبل البنك المركزي حول حسابات الأحزاب. لكن نتمنى أن لا يتم التعتيم على ذلك التقرير مثلما حصل بعد انتخابات 2014.