ثمن باهظ دفعه حزب النداء ومشروع النداء مقابل توفير الشرعية الانتخابية لشق من الندائيين، فالمؤتمر بما تخلله من استقالات وطعون واتهامات زاد شرخا في جسد الحزب وقضى على أي أمل في تجميع الندائيين. تونس الشروق: «أعلن عن استقالتي من نداء تونس... ها قد تركتها لك (...) أنت (تقصد سفيان طوبال) وشلتك»، هذا بعض ما خطته النائب عن كتلة النداء أسماء أبو الهناء ليلة الثلاثاء على صفحتها في الفيس بوك بعدما ادعت أن رئيس الكتلة سفيان طوبال قد طردها من مؤتمر الحزب الذي واكبت انطلاق أشغاله. هذه الندائية هي الوحيدة مبدئيا التي أعلنت استقالتها من حزب أراده مؤسسه الباجي قايد السبسي أن يكون جامعا للعائلة الوسطية والدستورية، وهي الوحيدة التي ادعت طردها من مؤتمر أراده الساهرون عليه فرصة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة من كانت له الرغبة في الرجوع… لكن علينا ألا نستخف بإشارة أرملة الراحل لطفي نقض إلى أن «العديد (من الندائيين) هددوا بالاستقالة واللجوء إلى المحاكم لإبطال المؤتمر»، قبل أن تصف المؤتمر الندائي في تصريح إعلامي ب«غير الديمقراطي» وب«المسرحية»... نزعة نحو التفرقة ما الفائدة من عقد المؤتمر الانتخابي؟ الإجابة المفترضة واضحة، فقبل الحديث عن الانتخابات والقيادة والشرعية الانتخابية… هناك غاية أسمى تتمثل في إعادة الغاضبين والمغضوب عليهم وتوجيه برسائل انتخابية إلى الناخبين والأحزاب القادرة على الالتقاء بالنداء الأم سواء أكان ذلك بالاندماج أو التحالف الانتخابي أو التحالف الاستراتيجي (مشروع موحد لما بعد الانتخابات). الغاية الأسمى انحصرت أو كادت في دعوة المؤتمرين إلى رفع التجميد عن رئيس الحكومة «الندائي» يوسف الشاهد، لكن يكفي أن نتمعن في أجواء المؤتمر وشروط المشاركة فيه وظروف الانتخابات وردود الفعل منها حتى نتبين نزعة يمكن وصفها ب»المقصودة» نحو تفرقة الندائيين والإبقاء على مجموعة مضيقة منهم وطرد البقية، ذلك أن لجنة إعداد المؤتمر أنهت ما بدأته اللجنة القانونية (الموالية لصف حافظ قايد السبسي) في إقصاء كل من يخالف الشق المسير للحزب: وشهد شاهد من أهلها حكمت لجنة إعداد المؤتمر مثل اللجنة القانونية على جماعة «لم الشمل» بصفة خاصة والمكتب التنفيذي بصفة عامة بالغياب «لعدم الصفة» ما يعني تغييب جزء من الندائيين غير المستقيلين وغير المطرودين وغير الهاربين إلى فضاءات حزبية أخرى. عملية الغربلة تواصلت أثناء انتخاب اللجنة المركزية حيث صرحت النائب عن كتلة النداء فاطمة المسدي بأن العملية الانتخابية في دائرة صفاقس 2 لم تكن نزيهة ولا شفافة وتبنت الموقف ذاته زميلتها سماح دمق عن دائرة صفاقس 1. لا يهمنا إن كانت ادعاءات القياديتين سليمة أو باطلة ما يهمنا أن المؤتمر لم يساهم في لم شمل الندائيين بل فجّر قنبلة أخرى داخل ما تبقى من النداء. الأغرب أن يشهد شاهد من أهل البقية الباقية من النداء ضد أهله، فهذا القيادي المدافع بأسنانه وأظافره عن شق حافظ ينتهي به المقام إلى القول في تصريح إعلامي إن هناك «خروقات بالجملة في تركيبة الهيئة السياسية المعلن عنها الثلاثاء (الماضي)»، وأن هناك «عائلة كاملة صلب نفس القائمة (التي شكلت تركيبة الهيئة السياسية). نتائج على المقاس هو مؤتمر «التجاوزات» حسب وصف المسدي، ومؤتمر «الخروقات» وفق وجهة نظر الحرباوي، ومؤتمر «الإخلالات القانونية» كما رأته عضو اللجنة القانونية إيناس بن نصر، وهو «مسرحية» و»غير ديمقراطي» حسب رأي أرملة نقض… حتى لو افترضنا أن جميع الادعاءات باطلة فإن النداء لن يستهوي أبناءه المترددين في العودة ولا أبناءه الذين شقوا طريقهم نحو فضاءات حزبية أخرى ولا بقية الأحزاب التي تفكر في التحالف معه. النجاح الوحيد في المؤتمر يستأثر به الشق الندائي الحاكم بأمره، فبعد سنوات من فرض القرارات وإقالة الندائيين المخالفين أو تجميدهم أو إجبارهم على الإستقالة… بات أخيرا يملك الشرعية الانتخابية بفضل مؤتمر انتخابي تم الإعداد له وعقده والخروج منه بنتائج على المقاس. المشكلة أن هذا المقاس بات ضيقا جدا ولن يقدر في كل الحالات على اعادة إنجاز 2014. ادعاء خطير تحدثت النائب عن كتلة النداء فاطمة المسدي كثيرا عن «الخروقات» و»الإخلالات» و»التجاوزات»... لكن أخطر ما تطرقت إليه هو حديثها في تدوينة لها على صفحتها الفايس بوك عن «استهداف صفاقس». فالمعلوم أن جهة صفاقس مهمة جدا انتخابيا وقد عاشت سنة 2014 منافسة شرسة بين النداء والنهضة، ومن شأن عبارة ال»إستهداف» أن توجه رسالة انتخابية سلبية نحو الناخبين في الجهة قد تحول دون تصويتهم لنداء تونس في الانتخابات القادمة إلا إذا عملت المسدي على التقليل لاحقا من وقع إدعائها.