أضحت الاحتجاجات باشكالها المختلفة وعلى راسها الاضرابات هي الطريق المثلى لتسوية الوضعيات وكلما خرجت عن السلمية تكون اكثر تأثيرا واثرا في الحصول على المطالب والسؤال لماذا لاتسوي الحكومة الوضعيات الا بعد الاحتجاجات؟ تونس الشروق: رضوخ الحكومة واستجابتها لمطالب المحتجين في قطاع الوظيفة العمومية ثم في قطاع التعليم وقطاع النقل والصحة وغيرها من القطاعات الاخرى جعل جميع القطاعات دون استثناء تمر الى اعتماد الاحتجاج التصعيدي كطريقة مثلى لسماع صوتهم والتفاوض معهم ومازاد اصرارهم هو رفض الحكومة اللاستجابة للمطالب في مراحل اولى بسبب قلة الموارد ثم فجأة تأتي هذه الموارد لانعلم من اين وتسوى الوضعيات وتنتهي الاحتجاجات . ومن الامثلة الحديث خروج الفلاحين امس باعداد غفيرة امام وزراة الفلاحة ومجلس نواب الشعب احتجاجا على اوضاعهم المتردية وبرمجة سلسلة من الاضرابات خلال الايام القادمة من عديد الغرف التابعة لاتحاد الاعراف احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالبهم والانقلاب على اتفاقات ممضاة وهذه الاحتجاجات التي يكفلها الدستور الجديد وقطع تونس مع منع حرية التظاهر بعد 2011 تحولت الى ظاهرة بل انها اضحت الطريقة المثلى لتحقيق المطالب واللافت للانتباه ان الاحتجاجات ان كانت سلمية لايمكنها التأثير الا ان مرت الى التصعيد كتعطيل الانتاج وغلق الطرقات . وعودتنا الحكومة لامبالاتها ازاء الاحتجاجات والاضرابات الا بعد ان تأخذ منحى تصعيديا ويتحول الاحتجاج من وسائل الاعلام الى الوقفات الاحتجاجية الى غلق الطرقات وتكون التعبئة مخيفة . المد والجزر بين المحتجين والحكومة لاحظناه في احتجاجات الفلاحين الاخيرة حيث سارع رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى الالتقاء برئيس المنظمة الفلاحية قبل تنفيذ وقفتهم الاحتجاجية يوم امس كما قرر وزير الفلاحة سمير بالطيب الاستماع الى مجموعة من الفلاحين الذين احتجوا امام الوزارة بعد ان اوقفوا سير السيارات امام الوزارة بينما كان بامكانه التنقل اليهم حيث نفذوا وقفات احتجاجية متعددة في جهات الشمال الغربي والاستماع الى مطالبهم المشروعة. احتجاجات مبرمجة سلسلة من الاحتجاجات بالاضراب عن العمل تمت برمجتها للايام القادمة وتهم اعوان المطاحن والمخابز وصناعة الحليب ومشتقاته و والعجين الغذائي والكسكسي والمصبرات وشبه المصبرات الغذائية وتعليب الزيوت وعمال شركات نقل البضائع والمحروقات عبر الطرقات واعوان محطات بيع الوقود بالتوازي مع اضراب الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء واصحاب محطات النفط التي اتخذت بدورها قرار الاضراب في مختلف محطات بيع الوقود بكامل تراب الجمهورية. احتجاجات واضرابات هي في كل الحالات ناتجة عن عدم الرضا بالوضعية التي هو عليها حاليا وفقا للدكتور حبيب تريعة وهو نداء ولفت انتباه وتردد الحكومة في الاستجابة يترك اثارا نفسية على المواطن ومحيطه وشعور بعدم الارتياح في تعامله مع محيطه الداخلي اي الاسرة ومحيطه الخارجي كالخضار والعطار كما ان استجابة الحكومة للمطالب بعد الاحتجاجات والتصعيد يزيح منسوب الثقة في مصداقية الحكومة واوضح انه اعتقاد راسخ في ان ما ينقص الدولة الكفاءات وليست الموارد فلو وجدت هذه الكفاءات كما العهد السابق لامكن لتونس العيش في سلم اجتماعية ونفسية وهو مانفتقده حاليا حيث تبدو الوجوه شاحبة ومكتئبة اينما ذهبت في الفضاءات العامة. بين الحق والابتزاز منذ 2011 تحولت ظاهرة الاحتجاجات إلى حدث يكاد يكون شبه يومي والاضراب مس جميع القطاعات العامة والخاصة بشكليه المنظم والعشوائي كما مس تقريبا جميع الشرائح والأسلاك المهنية إلى درجة أصبح الإضراب هو القاعدة والعمل هو الاستثناء. هذا ماقاله السياق. طارق بالحاج محمد باحث في علم الاجتماع قال ل«الشروق» ان الدستور التونسي وخاصة في فصله 36 تضمن جملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنها الحق النقابي والحق في الإضراب ولكن ماهو قائم الآن (مع بعض التعميم والفروقات) أن الفئوية والأنانية والمطلبية هي العناصر الطاغية بشكل يهدد السير العادي للمرفق العام والسير الطبيعي لنسق الإنتاج ويحد من فرص مراكمة الثروات وفرص العاطلين عن العمل في الالتحاق باليد العاملة النشيطة في سوق الشغل كما تختلف آثار الإضرابات من قطاع إلى آخر حيث تمس بعض الإضرابات قطاعات حيوية في المجتمع مثل النقل والصحة والمخابز... بشكل يحول حياة بقية المواطنين إلى جحيم كما يمكن أن تمس قطاعات إستراتيجية كالتعليم والفسفاط والمناجم... بشكل يؤثر على حاضر ومستقبل أجيال برمتها. واكد ان كل المؤشرات تدل على أن المستقبل سيكون صعبا، وينتظر الدولةَ والمواطنين الكثيرُ من المصاعب في هذا المناخ الذي يتسم بالانفلات وقلة الانضباط والفوضى. أصبح من الضروري اليوم أن تبادر الدولة بسرعة إلى إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة، وإلى مراجعة أوضاع العاملين في القطاعين العام والخاص عبر التركيز على مبدا "الحقوق والواجبات"، حيث توفر الدولة الظروف المناسبة للعمل، ثم يحق لها بالتالي أن تحاسب من أخل بواجباته، وهو مبدأ عادل تماما. وبخصوص تعاطي الدولة مع الاحتجاجات والاضرابات مع تراجع هيبة الدولة ومكانتها وقدرتها على تطبيق القانون، ومع تصدر المشهد السياسي من طرف سياسيين هواة ومبتدئين، ومن أجل شراء السلم الاجتماعية وتأمين عمل المرفق العام ظهرت العديد من المشاكل في مستوى إدارة ملفات التفاوض وطريقة حلها والرضوخ لها. فأصبحت الأولويات ليس للملفات المستعجلة بل للقطاعات المتمردة والمصعدة والمشاغبة بقطع النظر عن أحقية مطالبها من عدمه مما جعل الدولة ترضخ لهذه الابتزازات وتوليها الأهمية وهذا ما أرسل برسالة خاطئة للرأي العام والمواطنين مفادها أنه ليس المهم أحقية المطالب ومشروعيتها بل المهم كيف تبتز الدولة لكي ترضخ لمطالبك فيأخذ هذا الابتزاز شكل تعطيل المرفق العام أو الفضاء العام أو القطاعات الحيوية لتجبر الدولة على الجلوس على مائدة التفاوض مجبرة وهذه حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها فكلما أرضيت قطاعا تتحرك قطاعات أخرى وبنفس الطريقة بعيدا عن التنظيم في التحركات والمعقولية في المطالب. وختم بانه كان الأجدر منذ البداية الحرص على تطبيق القانون ليكون الفيصل بين الدولة والمجتمع وبذلك تحفظ الدولة هيبتها والمواطن حقه والمرفق العام استمراريته. رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضعف الأداء الحكومي وارتباكه من أهم الأسباب لان من مهام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصد جميع الاحتجاجات والتحركات المنظمة والعشوائية تحدثنا الى الناطق الرسمي باسمه رمضان بن عمر. لماذا تحولت الاحتجاجات الى الطريق الامثل لتحقيق المطالب؟ من خلال مرافقة المنتدى للحركات الاجتماعية والاحتجاجية وتطوّر الأساليب وآليات الاحتجاج لاحظنا تطورا كميا وكيفيا منذ سنة 2011 حيث اكتسحت الاحتجاجات الفضاء العام والذي كان مجالا حصريا للنظام السابق واجهزته الأمنية والحزبية وحتى المدنية لكن ما ميّز السنوات الأخيرة في ظل تجاهل الحكومات للمطالب الاجتماعية ووصمها والانقضاض الأمني والقضائي على نشطائها ان الاحتجاج الذي يملك أدوات ضغط ميدانية واقتصادية ينجح في فرض تفاوض تتملص منه السلطات الجهوية او المركزية بل ان القطاعات المنظمة (منظمات عمالية ومنظمات اعراف ...) التجأ منظوروها لهذه الاشكال الاحتجاجية واكتسحوا الفضاء العام (فضاء الوزارات و الشوارع ...) لفرض التعاطي مع مطالبهم. ان سياسات الحكومة في التملص من الاتفاقات والهروب من التفاوض ساهمت في بروز مثل هذه الاشكال الاحتجاجية ولعل تعطل جلسة مساءلة رئيس الحكومة في مجلس نواب الشعب حيث وقعت إدارة التفاوض مع عديد القطاعات المحتجة (صحافيين و موظفي المجلس ...) قبل الجلسة وتم التوصل الى حلول افضل مثال على ذلك . لماذا حسب رايك لاتتولى الحكومة تسوية الوضعيات الا بالاحتجاجات؟ لسائل ان يتساءل اذا كانت الحلول ممكنة لماذا الهرب ودفع الاحتجاج للحلول القصوى؟ لقد وقع ذلك سابقا في عديد الاحتجاجات حيث تدفع سياسات الحكومة المحتجين للحلول القصوى وفي اللحظة الحاسمة يصبح الحل ممكنا ويعود ذلك في تقديري الى ضعف الأداء الحكومي عموما وارتباكه في عديد المحطات بين تصريح وتصريحات مضادة واتفاقات ثم التملص من تنفيذها اضافة الى ضعف الاداء السياسي والتقني للوزراء الممسكين بهذه الملفات وحالة القطيعة أحيانا بين مكتب الوزير ومستشاريه والجهاز الإداري للوزارة نتيجة التعيينات والمحاصصة الحزبية داخل الوزارات إضافة الى غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الحكومات لمعالجة الازمة الاقتصادية والاجتماعية ونتحدث أساسا عن كلفة اجتماعية باهظة لسياسة الحكومة في رفض التفاوض ومعالجة الملفات والالتزام بالتعهدات فالاحتجاج حق يلتزم نشطاؤه بالضوابط المدنية والدستورية في انتظار ان يفي الطرف الحكومي بتعهداته وواجباته الدستورية عبر سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة.